سار السلطان مشرف الدولة مُصعدا إلى بغداد من ناحية واسط، ورُوسل القادر بالله في البروز لتلقيه، فتلقاه من الزلاقة، ولم يكن تلقى أحدا من الملوك قبله. فركب في الطيار، وعن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر، وعن يساره الأمير أبو القاسم، وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز، وحوالي القُبة الشريف أبو القاسم المرتضى، وأبو الحسن الزينبي، وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب، وفي الزبازب المُسودة من العباسيين، والقُضاة، والقراء، والعلماء، ونزل مشرف الدولة في زبزبه بخواصه وصعد إلى الطيار، فقبل الأرض، وأجلس على كُرسي، وسأله الخليفة عن خبره وكيف حاله، والعسكر واقفٌ بأسره على شاطئ دِجلة، والعامة في الجانبين. ثم قام شرف الدولة فنزل إلى زبزبه، وأصعد الطيار.
وفيها ورد كتابُ يمين الدولة محمود بن سُبُكتكين إلى القادر يذكر أنه أوغل في بلاد الهند حتى جاء إلى قلعة فيها ستمائة صنم، وقال: أتيتُ قلعةً ليس لها في الدنيا نظير، وما الظن بقلعة تسع خمسمائة فيل، وعشرين ألف دابة، وتقوم لهؤلاء بالعُلُوفة. وأعان الله حتى طلبوا الأمان، فأمنت ملكهم وأقررته على ولايته بخراج ضُرب عليه، وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة، ومن ذلك طائر على شكل القُمري إذا حضر على الخِوان وكان فيه شيء مسموم دمعت عينُهُ وجرى منها ماء وتحجر، ويُحك فيطلى بما تحلل من دمعه المتحجر الجراحات الكبار فيلحمها، فقُبلت هديته، وانقلب العبد بنعمة من الله وفضل.
قلت: وهذه وقعة باردين، وهي من الملاحم الكِبار، بلغت راية الإسلام في الهند إلى مكان لم تبلغه قط، ووجد في بيت بذ عظيم حجر منقوش، دلت كتابته على أنه مبني من أربعين ألف سنة. فقضى السلطان والناسُ من جهلِ القوم عجبا، إذ كان بعضُ أهل الشريعة يقولون: إن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وعاد السلطان بتلك الغنائم حتى كان عدد الأرقاء يزيد على عدد