ودامت عدّة سنين، وتقطّعت الطُّرُق، وأُرِيقت الدّماء، ونُهبت الأموال، وسببها أن تُرْكمانيّة تزوَّجت بتُركمانيّ، فاجتازوا بأكرادٍ، فطلبوا منهم وليمة العُرْس، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آلَ إلى القتال، فقُتِل الزَّوج، فهاجت الفِتنة، وقامت التّرْكُمان على ساقٍ، وقتلوا جمْعًا كثيرا من الأكراد، فتناخت الأكراد وقتلوا في التُّرْكُمان. وتفاقم الشَّرّ ودام، إلى أن جمع الأمير مجاهد الدّين قايماز عنده جَمعًا من رؤوس التُّرْكُمان والأكراد وأصلح بينهم، وأعطاهم الخِلَع والثياب، وأخرج عليهم مالًا جمًّا، فانقطعت الفتنة.
وفيها استولى ابن غانية الملثّم على أكثر بلاد إفريقية كما ذكرناه في سنة ثمانين استطرادًا.
[سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة]
في أولها صح مزاج السّلطان بحرّان فرحل منها، ومعه ولداه الظاهر، والعزيز، وأخوه العادل، وقدِم دمشق، فبذل العادل بلاد حلب لأولاد أخيه، فشكره السّلطان على ذلك، وملّكها للسلطان الملك الظاهر غازي ولده، وسيَّر أخاه العادل إلى مصر، ونزل على نواحي البلقاء.
وقيل: إن الملك الظاهر لمّا تزوَّج بابنة العادل نزل له العادل عن حلب، وقال: أنا ألزم خدمة أخي وأقنع بما أعطاني. وسمح بهذا لأن السّلطان أخاه كان في مرضه قد أوصى إليه على أولاده وممالكه، فأعجبه ذلك.
قال العماد الكاتب: أجمع المنجّمون في سنة اثنتين وثمانين في جميع البلاد بخراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح في سائر البلدان، وخوّفوا بذلك من لا توثُّق له باليقين، ولا إحكام له في الدّين من ملوك الأعاجم والروم، وأشعروهم من تأثيرات النجوم، فشرعوا في حفر مغارات في التُّخُوم، وتعميق بيوت في الأسراب وتوثيقها، وشدّ منافسها على الريح، ونقلوا إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها، وانتظروا الميعاد وسلطاننا متنمّر من أباطيل المنجّمين، مُوقنٌ أنّ قولهم مبنيّ على الكذب