وسار رسولنا، وحلف صاحب الموصل يمينًا جعل الله فيها حكمً. وعاد رسوله ليسمع منا اليمين، فلما حضر وأحضر نسختها أومأ بيده ليخرجها، فأخرج نسخة يمين كانت بين الموصليين والحلبيين على حربنا، والتداعي إلى حربنا. وقد حلف بها كمشتكين الخادم بحلب، وجماعة معه يمينًا نقضت الأولى، فرددنا اليمين إلى يمين الرسول، وقلنا: هذه يمين عن الأيمان خارجة، وأردت عمرًا وأراد الله خارجة.
وانصرف الرسول، وعلمنا أن الناقد بصير، والمواقف الشريفة مستخرجة الأوامر إلى الموصلي؛ إما بكتاب مؤكد بأن لا ينقض العهد، وإما الفسحة لنا في حربه.
وقال ابن أبي طيئ: لما ملك صلاح الدين منبج في شوال صعد الحصن، وجلس يستعرض أموال ابن حسان وذخائره، فكانت ثلاثمائة ألف دينار، ومن أواني الذهب والفضة والذخائر والأسلحة ما يناهز ألفي ألف دينار، فرأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبًا يوسف، فسأل عن هذا الاسم، فقيل: له ولد يحبه اسمه يوسف، كان يدخر هذه الأموال له. فقال السلطان: أنا يوسف، وقد أخذت ما خبئ لي.
ومن كتاب السلطان إلى أخيه العادل يقول: ولم ينلني من الحشيشي الملعون إلا خدش قطرت منه قطرات دم خفيفة، انقطعت لوقتها، واندملت لساعتها.
وأما صلاح الدين فسار من عزاز، فنازل حلب في نصف ذي الحجة، وقامت العامة في حفظها بكل ممكن، وصابرها صلاح الدين شهرًا، ثم ترددت الرسل في الصلح، فترحل عنهم، وأطلق لابنة نور الدين قلعة عزاز.
قال ابن الأثير: وفي رمضان انكسفت الشمس ضحوة نهار، وظهرت الكواكب، حتى بقي الوقت كأنه ليل مظلم، وكنت صبيًا حينئذٍ.