الأقلام، وشق كل واحد منها نصفين، وشدها شدة واحدة، وجعلها شبه المسرجة وأقعد السراج عليها، فلحقني من ذلك من الغم شيء لم يمكني أن آكل الطعام معه، واعتذرت إليه، وخرجت إلى المسجد، فلما صليت التراويح، أقمت في المسجد، فجاءني القيم وقال: لم تجر العادة لأحد أن يبيت في المسجد، فخرجت وأغلق الباب، وجلست على باب المسجد، لا أدري إلى أين أذهب، فبعد ساعة عبر الحارس، فأبصرني، فقال لي: من أنت؟ فقلت: غريب من أهل العلم، وحكيت له القصة، فقال: قم معي، فقمت معه، فأجلسني في مركزه، وثم سراج جيد، وأخذ يطوف ويرجع إلى عندي، واغتنمت أنا السراج، فأخرجت الأجزاء، وقعدت أكتب إلى وقت السحر، فأخرج إلي شيئًا من المأكول، فقلت: لم تجر لي عادة بالسحور، وأقمت بعد هذا بالإسكندرية ثلاثة أيام، أصوم النهار، وأبيت عنده، وأعتذر إليه وقت السحر، ولا يعلم إلى أن سهَّل الله بعد ذلك وفتح.
وقال: أقمت بتنيس مدة على أبي محمد ابن الحداد ونظرائه، فضاق بي، ولم يبق معي غير درهم، وكنت في ذلك أحتاج إلى خبز، وأحتاج إلى كاغد، فكنت أتردد إن صرفته في الخبز لم يكن لي كاغد، وإن صرفته في الكاغد لم يكن لي خبز، ومضى على هذا ثلاثة أيام ولياليهن لم أطعم فيها، فلما كان بكرة اليوم الرابع قلت في نفسي: لو كان لي اليوم كاغد لم يمكن أن أكتب فيه شيئًا لما بي من الجوع، فجعلت الدرهم في فمي، وخرجت لأشتري الخبز، فبلعته، ووقع علي الضحك، فلقيني أبو طاهر بن حطامة الصائغ المواقيتي بها وأنا أضحك، فقال لي: ما أضحكك؟ فقلت: خير، فألح علي وأبيت، فحلف بالطلاق لتصدقني لم تضحك؟ فأخبرته، وأخذ بيدي، وأدخلني منزله، وتكلف لي ذلك اليوم أطعمة، فلما كان وقت صلاة الظهر خرجت أنا وهو إلى الصلاة، فاجتمع به بعض وكلاء عامل تنيس، فسأله عني، فقال: هو هذا، فقال: إن صاحبي منذ شهر أمرني أن أوصل إليه في كل يوم عشرة دراهم، قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه، قال: فأخذ منه ثلاثمائة درهم، وجاءني وقال: قد سهل الله رزقًا لم يكن في الحساب، وأخبرني بالقصة، فقلت: تكون عندك، ونكون على ما نحن من الاجتماع إلى وقت الخروج، فإنني وحدي، ففعل، وكان بعد ذلك يصلني ذلك القدر، إلى أن خرجت من البلد إلى الشام.