عنهم، في كل ليلة جمعة يجعل لكل إنسانٍ منهم وظيفة من الجمعة إلى الجمعة، وكان يحثهم على الاكتساب وأكل الحلال، ويقول: أصل العبادة أكل الحلال، والعمل لله في سنته، وكان شديد الإنكار على أهل البدع، لا تأخذه في الله لومة لائم، رجع به خلقٌ كثير في بلدنا من الرافضة وصحبوه.
وأخبرني الشيخ إبراهيم بن أبي طالب قال: أتيت الشيخ وهو يعمل في النهر الذي استخرجه لأهل بالس، ووجدت عنده خلقا كثيرا يعملون معه، فقال: يا إبراهيم، أنت لا تطيق العمل معنا، ولا أحب أن تقعد بلا عمل، فاذهب إلى الزاوية، وصل ما قدر لك، فهو خيرٌ من قعودك عندنا بلا عمل، فإني لا أحب أن أرى الفقير بطالا.
وكان يحث أصحابه على التمسك بالسنة ويقول: ما أفلح من أفلح إلا بالمتابعة، فإن الله يقول:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
وكان لا يمر على أحدٍ إلا بادأه بالسلام حتى على الصبيان وهم يلعبون، ويداعبهم، ويتنازل إليهم ويحدّثهم، وكنت أكون فيهم، ولقد جاءته امرأة يوما فقالت: عندي دابةٌ قد ماتت، وما لي من يجرها عني، فقال: امض وحصِّلي حبلا حتى أبعث من يجرها، فمضت وفعلت، فجاء بنفسه وربط الحبل في الدابة، وجرّها إلى باب البلد، فجرّوها عنه.
وكان متواضعا لا يركب فرسا ولا بغلة، بل لما كبر كان يركب حمارا ويمنع من أن يوطأ عقبه، وكان دأبه جبر قلوب الضعفاء من الناس، وكان في الزاوية شيخ كبير به قطار البول، فكان يبدد الصاغرة من تحته.
وكان لا يمكّن أحدا من تقبيل يده، ويقول: من مكن أحدا من تقبيل يده نقص من حاله شيء، وكان لا يقبل إلا ممن يعرف أنه طيب الكسب.
وحدّثني الإمام شمس الدّين الدباهيّ قال: حدّثني الشيخ عبد الله كتيلة، قال: قدمت على الشيخ أبي بكر بمنزله ببالس، فلما رأيته هبته، وعلمت أنه ولي لله، ورأيته يحضر السماع بالدف، وكنت أنكره، غير أني كنت أحضر السماع بغير الدف، وقلت في نفسي: إن حضرت مع هذا الولي وحصل مني إنكار عليه حصل لي أذى، وخشيت من قلبه، فغبت ولم أحضر.