قلت: هكذا كان والله شيخنا ابن تيمية، بقي أزيد من سنة يفسر في سورة نوح، وكان بحرا لا تكدره الدلاء رحمه الله.
وقال عبد الغافر: حكى الثقات أن أبا عثمان كان يعظ، فدفع إليه كتابُ ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها ليدعى على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف في الكتاب أن رجلا أعطى دراهم لخباز يشتري خبزا، فكان يزنها والصانع يخبز، والمشتري واقف، فمات الثلاثة في ساعة. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، فاستقرأ من القارئ قوله تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ} الآيات ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه وتغير في الحال، وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، فكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام، فبقي إلى قريب المغرب، فكان يتقلب ظهرا لبطن، وبقي سبعة أيام لم ينفعه علاج، فأوصى وودع أولاده وتوفي، وصلي عليه عصر يوم الجمعة رابع المحرم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى إسحاق.
وقد طول عبد الغافر ترجمة شيخ الإسلام وأطنب في وصفه، وقال: قال فيه البارع الزوزني:
ماذا اختلاف الناس في متفنن لم يبصروا للقدح فيه سبيلا والله ما رقى المنابر خاطب أو واعظ كالحبر إسماعيلا
وقال: قرأت في كتاب كتبه الإمام زين الإسلام من طوس في تعزية شيخ الإسلام يقول فيه: أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقته؟ أليست السنة كانت بمكانة منصورة، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله هاديا عباد الله، شابا لا صبوة له، ثم كهلا لا كبوة له، ثم شيخا لا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر، حطوا رحالكم، فقد استتر بجلال التراب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم.