فأكرموا مورده، وأنزلوه في عزّ وحشمة، وعقد له مجلس التّذكير في مدرسة الشّافعيّة.
وكان بحراً في الوعظ، حافظاً لكثير من الرّوايات والحكايات والنّكت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاص والعام، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثمّ عاد إلى مرو، ودرّس بها في مدرسة أصحاب الشّافعي، وقدّمه نظام الملك على أقرانه، وعلا أمره، وظهر له الأصحاب، وخرج إلى أصبهان، ورجع إلى مرو، وكان قبوله كلّ يومٍ في علوّ، واتّفقت له تصانيف في الخلاف مشهورة، مثل كتاب الاصطلام، وكتاب البرهان، والأمالي في الحديث، وتعصّب للسّنّة والجماعة وأهل الحديث، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجةً لأهل السّنّة.
قال أبو سعد: صنّف في التفسير، والفقه، والأصول، والحديث، فالتفسير في ثلاث مجلّدات، وكتاب البرهان والاصطلام الذي شاع في الأقطار، وكتاب القواطع في أصول الفقه، وله في الآثار كتاب الانتصار والرّدّ على المخالفين، وكتاب المنهاج لأهل السّنّة، وكتاب القدر، وأملى قريباً من تسعين مجلساً.
وسمعت بعض المشايخ يحدّث عن رفيق جدّي في الحجّ الحسين بن الحسن الصوفي قال: اكترينا حماراً ركبه الإمام أبو المظفّر إلى خرق، وهي ثلاثة فراسخ من مرو، فنزلنا بها، وقلت: ما معنا إلا إبريق خزف، فلو اشترينا آخر، فأخرج من جيبه خمسة دراهم، وقال: يا حسين، ليس معي إلا هذا، خذ واشتر ما شئت، ولا تطلب بعد هذا منّي شيئاً، فخرجنا على التجريد، وفتح الله لنا.
سمعت شهردار بن شيرويه بهمذان يقول: سمعت منصور بن أحمد الإسفزاري، وسأله أبي، فقال: سمعت أبا المظفّر السّمعاني يقول: كنت على مذهب أبي حنيفة، فبدا لي أن أرجع إلى مذهب الشّافعي، وكنت متردّداً في ذلك، فحججت، فلمّا بلغت سميراء، رأيت ربّ العزّة في المنام، فقال لي: