للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدس، وتسلّم البلد لثلاثٍ بقين من رجب. وأنقذه اللَّه من النصارى الأنجاس بعد إحدى وتسعين سنة، فلما كان يوم الجمعة رابع شعبان أقيمت الجمعة بالمسجد الأقصى، وخطب للناس قاضي القضاة محيي الدّين ابن الزَّكيّ خطبة مونقة بليغة، وابتدأ السّلطان في إصلاح المسجد الأقصى والصخرة، ومحو آثار الفرنج وشعارهم. وتنافس الملوك معه في عمل المآثر الحسنة والآثار الجميلة، فرزقنا اللَّه شُكر هذه النعم، ورحم اللَّه صلاح الدّين وأسكنه الجنّة.

وللعماد الكاتب يصف وقعة حطين: حتى إذا أسفر الصباح خرج الجاليشية تحرق نيران النصال أهل النار، ورنَّت القسيّ، وغنَّت الأوتار، واليوم ذاكٍ، والحرب شاكٍ، والقيظ عليهم فيض، وماء للغيظ منهم غيض، وقد وَقَدَ الحرّ، واستشرى الشرّ، ووقع الكر والفرّ، والجو محرق، والجوى مقلق، وأصبح الجيش على تعبيته، والنصر على تلبيته.

قال: وبرَّح بالفرنج العطش، وأبت عثرتها تنتعش، فرمى بعض مطوِّعة المجاهدين النار في الحشيش، فتأجج عليهم استعارها، فرجا الفرنج فرجًا، وطلب طلبهم المحرج مخرجًا. وكلما خرجوا جُرحوا، وبرح بهم حرّ الحرب فما برحوا، فشوتهم نار السهام وأشوتهم، وصممت عليهم قلوب القسي القاسية وأصمتهُم.

وقال: وفتحوا عكا يوم الجمعة مستهل جُمادى الأولى، فجئنا إلى كنيستها العظمى، فأزحنا عنها البؤسى بالنُّعمى، وحضر الأجل الفاضل فرتَّب بها المنبر والقبلة، وأول من خطب بها جمال الدّين عبد اللطيف بن أبي النّجيب السهرُورديّ، وولاّه السّلطان بها القضاء والخطابة والأوقاف.

وقال في حصار القدس: أقامت المنجنيقات على حصانته حدّ الرجم، وواقعت ثنايا شرفاته بالهتم، وتطايرت الصخور في نُصرة الصخرة المباركة، وحَجَرت على حكم السور بسَفَه الأحجار المتداركة، وحسرت النقوب عن عروس البلد نقب الأسوار، وانكشفت للعيون انكشاف الأسرار.

وفي رمضان توجه السلطان صلاح الدّين فنازل صور ونصب عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>