أوصى إليه أبوه بالملك، ووصى به وزيره نظام الملك، وأوصى إليه أن يفرق البلاد على أولاده، وأن يكون مرجعهم إلى ملكشاه، وذلك في سنة خمسٍ وستين، فخرج عليه عمه صاحب كرمان، فتواقعا وقعة كبيرة بقرب همذان، فانهزم عمه، ثم أتي به أسيرا فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر كتبهم في خريطة، فناولها لنظام الملك ليقرأها، فرمى بها في منقل نارٍ بين يديه، فأحرقها، فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه، وخنق عمه بوتر. وتم له الأمر، وملك من الأقاليم ما لم يملكه أحدٌ من السلاطين، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وباب الأبواب، وبلاد الروم، والجزيرة، والشام. وملك من مدينة كاشغر، وهي أقصى مدينة بالترك إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية إلى بلاد الخزر وبحر الهند عرضا.
وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يلقب بالسلطان العادل، وكان منصورا في حروبه، مغرى بالعمائر؛ حفر الأنهار، وعمر الأسوار والقناطر، وعمر جامعا ببغداد، وهو جامع السلطان، وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده. كذا نقل ابن خلكان في تاريخه فالله أعلم.
قال: وصنع بطريق مكة مصانع للماء، غرم عليها أموالا كثيرة. وكان لهجا بالصيد، حتى قيل إنه ضبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف وحش، فتصدق بعشرة آلاف دينار، وقال: إني خائف من الله لإزهاق الأرواح لغير مأكلة. شيع مرة الحاج، فتعدى العذيب، وصاد في طريقه وحشا كثيرا، يعني هو وجنده فبنى هناك منارة، من حوافر حمر الوحش وقرون الظباء؛ وهي باقية تعرف بمنارة القرون.
وأما السبل فأمنت في أيامه أمرا زائدا، ورخصت الأسعار، وتزوج أمير المؤمنين المقتدي بالله بابنته. وكان السفير بينهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وكان زفافها إلى الخليفة سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخول الخليفة بها