ولها ميناء من أحسن المواضع، وهي من أطيب البلاد، فحصرها أيامًا، وافتتحها، وأخذ منها غنائم كثيرة، ثم نازل القلعتين، وغلّقت النّقوب، فصاحوا الأمان، وساروا إلى أنطاكية.
قال العماد: ولقد كثر تأسُّفي على تلك العمارات كيف زالت، وعلى تلك الحالات كيف حالت.
وسار فنازل صهيون، وهي حصينة في طرف الجبل، ليس لها خندق محفور إلاّ من ناحية واحدة، طوله ستون ذراعًا، نُقر في حجر، ولها ثلاثة أسوار. وكان على قُلّتها عَلَمٌ طويل عليه صليب، فلما شارفها المسلمون وقع الصليب، فاستبشروا ونصبوا عليها المناجيق، وأخذوها بالأمان في ثلاثة أيام، ثم سلّمها إلى الأمير ناصر الدّين منكورس ابن الأمير خُمارتكين، فسكنها وحصَّنها. وكان من سادة الأمراء وعقلائهم. توفي وهو مالك صهيون. وولي بعده ولده مظفر الدّين عثمان، ثم وليها بعده سيف الدّين محمد بن عثمان إلى بعد السبعين وست مائة.
وبثَّ السّلطان عسكره وأولاده فأخذوا حصون تلك الناحية مثل بلاطُنس، وقلعة الجماهريين، وبكّاس، والشُّغر، وسرمانية، ودربساك، وبغراس، وبرزية، قال: وعُلُوّ قلعة برزية خمسمائة ونيفٌ وسبعون ذراعًا، لأنها على سنِّ جبلٍ شاهقٍ، ومن جوانبها أودية، فسلم دربساك إلى علم الدّين سليمان بن جندر، وهي قلعة قريبة من أنطاكية.
ثم سار يقصد أنطاكية، فراسله صاحبها وقدَّم له. وكانت العساكر المشرقيّة قد ضجرت وخصوصًا عماد الدّين صاحب سنجار، فطال عليه المُقام. فهادن السّلطان صاحب أنطاكية ثمانية أشهر على أن يُطلق الأسارى. ودخل إلى حلب فبات بها ليلة وعاد إلى دمشق. وأعطى تقي الدّين عمر صاحب حماة جَبَلَة واللاذقية.
وقال ابن الأثير: نزل صلاح الدّين تحت حصن الأكراد، وكنت معهم، فأتاه قاضي جَبَلَة منصور بن نبيل، وكان مسموع القول عند بيمند صاحب أنطاكية وجَبَلَة، وله الحُرمة الوافرة، ويحكم على جميع المسلمين