الدين يوسف رحمه الله كثير الخسف والمجازفة، وإلا من عنده ورع لم يُطلق هذه العبارات إذ لم تصل الصورة إلى هذا الحد، فقوله أولا: عمت الدنيا مجرد دعوى فما الذي أطلعه على جميع الممالك، وقوله: فلم يبق منهما جدار قائم، مجازفة أيضاً، وقوله: هُدمت جميع قلاع الساحل، فيه بعض ما فيه كما ترى، فلا تعتمد على تهويله.
قال أبو شامة: ورمت بعض المنارة الشّرقية بجامع دمشق، وأكثر الكلاّسة، والمارستان النُّوري، وعامّة دور دمشق إلا القليل، وهرب الناس إلى الميادين، وسقط من الجامع ست عشرة شرافة، وتشققت قبّة النَّسر، وتهدّمت بانياس، وهونين، وتبنين، وخرج قوم من بعلبك يجمعون الرّيباس من جبل لبنان، فالتقى عليهم الجبلان فماتوا، وتهدمت قلعة بعلبك مع عِظَم حجارتها، وانفرق البحر، فصار أطواداً، وقذف بالمراكب إلى السّاحل فتكسرت، وأحصي من هلك في هذه السّنة فكان ألف ألف ومائة ألف إنسان.
ثم قال: نقلت ذلك من تاريخ أبي المظفّر سبط ابن الجوزي.
وقال ابن الأثير: لما ملك العادل مصر وقطع خطبة المنصور ولد العزيز لم يرض الأمراء بذلك، وراسلوا الظاهر صاحب حلب، والأفضل بصَرْخَد، وتكررت المكاتبات يدعونهما إلى قصد دمشق ليخرج العادل، فإذا خرج إليهم أسلموه وتحولوا إليهما، ففشا الخبر وعرف العادل، فكتب إلى ابنه بدمشق يأمره أن يحاصر صرخد فعلم الأفضل، فسار إلى حلب، فخرج معه الظاهر ونازلا دمشق، واتفقا على أن تكون دمشق للأفضل، ثم يسيرون إلى مصر، فإذا تملكاها صارت مصر للأفضل، وصارت الشام كلها للظاهر.
رجعنا إلى قول أبي شامة، قال: وفي ذي القعدة حوصرت دمشق، جاء الأفضل والظاهر، ونَجَدَهما من بانياس حسام الدين بشارة، وقاتلوا أهل دمشق أياماً، وكان بها المعظّم عيسى، وبلغ أباه فقدم من مصر، ونزل نابلس، وبعث إلى الأمراء مكاتبات، فصرفهم إليه، ثم زحف ابنا صلاح الدين،