آلاف درهم، فقال: وأين هي؟ فقلت: حتى نصبح أنا أرسل من ترى أنت إلى وكيلي في منزلتي بعسكر المهدي، فإن لم يأتك بالعشرة آلاف فاقتلني، فأمر بحملي فحملت ردفا، وردوني إلى منزلتهم، وبعد هوي من الليل إذا نحن بحركة الخيل، ثم دخلوا وهم يقولون: بسر زبيدة، فأدخل علي رجل عريان عليه سراويل وعمامة ملثم بها، وعلى كتفيه خرقة خلقة، فصيروه معي، ووكلوا بنا، فلما حسر العمامة عن وجهه إذا هو محمد، فاستعبرت، واسترجعت في نفسي، ثم قال: من أنت؟ قلت: أنا مولاك أحمد بن سلام، فقال: أعرفك كنت تأتيني بالرقة، قلت: نعم، قال: كنت تأتيني وتلطفني كثيرا، لست مولاي بل أنت أخي ومني. أُدْنُ مني، فإني أجد وحشة شديدة، فضممته إلي، ثم قال: يا أحمد، ما فعل أخي؟ قلت: هو حي، قال: قبح الله صاحب البريد ما أكذبه، كان يقول لي قد مات، قلت: بل قبح الله وزراءك، قال: لا تقل، فما لهم ذنب، ولست بأول من طلب أمرا فلم يقدر عليه، قال: ما تراهم يصنعون بي؟ يقتلوني أو يفون لي بأمانهم؟ قلت: بل يفون لك يا سيدي، وجعل يمسك الخرقة بعضديه، فنزعت مبطنة علي، وقلت: ألقها، فقال: ويحك! دعني، فهذا من الله لي في هذا الموضع خير كثير. ثم قمت أوتر، فلما انتصف الليل دخل الدار قوم من العجم بالسيوف، فقام، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهبت - والله - نفسي في سبيل الله، أما من حيلة، أما من مغيث؟ فأحجموا عن التقدم، وجعل بعضهم يقول لبعض: تقدم، ويدفع بعضهم بعضا، فقمت وصرت وراء الحصر الملففة، وأخذ محمد بيده وسادة، وقال: ويحكم إني ابن عم رسول الله، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي، فوثب عليه خمارويه - غلام لقريش الدنداني - فضربه بالسيف على مقدم رأسه، فضربه محمد بالوسادة، واتكى عليه ليأخذ السيف من يده، فصاح خمارويه: قتلني قتلني، فتكاثروا عليه فذبحوه من قفاه، وذهبوا برأسه إلى طاهر.
وذكر عن أحمد بن سلام في هذه القصة، قال: فلقنته لما حدثته ذكر الله والاستغفار، فجعل يستغفر.