الناس، سمحا جوادا، لم يبلغ أحد من إخوته الثلاثة إلى ما بلغ من الرتبة، وقد حبسه السلطان نجم الدين سنة أربعين، وبقي في الحبس ثلاثة أعوام، وقاسى ضرا وشدائد، وكان لا ينام من القمل، ثم أخرجه وأنعم عليه، وجعله نائب السلطنة، وكان يتعانى شرب النبيذ - نسأل الله العفو - فلما توفي السلطان ندبوا فخر الدين إلى السلطنة فامتنع، ولو أجاب لتم له الأمر.
بلغنا عنه أنه قدم دمشق مع السلطان فنزل دار سامة فدخل عليه العماد ابن النحاس فقال له: يا فخر الدين إلى كم؟ ما بقي بعد اليوم شيء؟ فقال: يا عماد الدين، والله لأسبقنك إلى الجنة. فصدق الله - إن شاء الله - قوله، واستشهد يوم وقعة المنصورة.
ولما مات الصالح قام فخر الدين بأمر الملك، وأحسن إلى الناس، وأنفق في العسكر مائتي ألف دينار، وأحسن إلى الرعية، وأبطل بعض المكوس، وركب بالشاويشية، ولو أمهله القضاء لكان ربما تسلطن.
بعث الفارس أقطاي إلى حصن كيفا لإحضار الملك المعظم تورانشاه ولد السلطان، فأحضره وتملك، وقد هم المعظم هذا بقتله، فإن المماليك الذين ساقوا إلى دمشق يستعجلون المعظم أوهموه أن فخر الدين قد حلف لنفسه على الملك، واتفق مجيء الفرنج إلى عسكر المسلمين، واندفاع العسكر بين أيديهم منهزمين، فركب فخر الدين وقت السحر ليكشف الخبر، وأرسل النقباء إلى الجيش، وساق في طلبه، فصادف طلب الديوية، فحملوا عليه، فانهزم أصحابه وطعن هو فسقط وقتل، وأما غلمانه فنهبوا أمواله وخيله.
قال سعد الدين ابن عمه: كان يوما شديد الضباب فطعنوه، رموه، وضربوا في وجهه بالسيف ضربتين، وقتل عليه جمداره لا غير، وأخذ الجولاني قدور حمامه الذي بناه بالمنصورة، وأخذ الدمياطي أبواب داره، وقتل يومئذ نجم الدين البهنسي والشجاع ابن بوشو، والتعبه دار الكاتب، ونهب خيم الميمنة جميعها. ثم تراجع المسلمون وأوقعوا بالفرنج، فقتل منهم ألف وستمائة فارس. ثم ضربت الفرنج خيمهم في هذا البر، وشرعوا في حفر خندق عليهم. ثم شلنا فخر الدين وهو بقميص لا غير، وأما داره التي أنشأها بالمنصورة فإنها