إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة حسبك مما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت وله فيما أنشدنا أبو علي ابن الخلال: أخبرنا ابن المقير، قال: أخبرتنا شهدة قالت: أخبرنا النعالي، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا عثمان بن السماك، قال: حدثنا إسحاق الختلي، قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ، قال: أنشدني أبو العتاهية:
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها لقد حذرتناها لعمري خطوبها وما نحسب الساعات تقطع مدةً على أنها فينا سريعٌ دبيبها كأني برهطي يحملون جنازتي إلى حفرةٍ يحثى علي كثيبها وداعيةٍ حَرَّى تنادي وإنني لفي غفلةٍ عن صوتها لا أجيبها وإني لممن يكره الموت والبلى ويعجبه ريح الحياة وطيبها أيا هاذم اللذات ما منك مهربٌ تحاذر منك النفس ما سيصيبها رأيت المنايا قسمت بين أنفسٍ ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها ومن شعره:
لدوا للموت وابنوا للخراب فكلكم يصير إلى ذهاب لمن نبني ونحن إلى تراب نصير كما خلقنا من تراب ألا يا موت لم أر منك بدا أتيت فما تحيف ولا تحابي كأنك قد هجمت على مشيبي كما هجم المشيب على شبابي ويا دنياي ما لي لا أراني أُسرُّ بمنزلٍ إلا نَبَا بِي وما لي لا ألح عليك إلا بعثت الهم لي من كل باب أراك وإن ظلمت بكل لونٍ كحلم النوم أو لمع السراب وهذا الخلق منك على وقارٍ وأرجلهم جميعا في الركاب تقلدت العظام من الخطايا كأنك قد أمنت من العقاب فمهما دمت في الدنيا حريصا فإنك لا توفق للصواب سأسأل عن أمورٍ كنت فيها فما عذري هناك وما جوابي؟ بأية حجةٍ تحتج نفسي إذا دعيت إلى طول الحساب