أنت طودٌ لكنّه لا يسامى أنت بحرٌ، لكنّه لا يخاض فابق في غبطةٍ وأنت عزيز ما تعدى عن المنال انخفاض وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمذانيّ: ندب المقتدي بالله الشّيخ أبا إسحاق الشّيرازيّ للخروج في رسالةٍ إلى المعسكر، فتوجّه في ذي الحجّة سنة خمسٍ وسبعين، وكان في صحبته جماعةٌ من أصحابه، فيهم الشّاشيّ، والطَّبريّ، وابن فتيان، وإنّه عند وصوله إلى بلاد العجم كان يخرج إليه أهلها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانه، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به.
وحدَّثني القائد كامل قال: كان في الصُّحبة جمال الدّولة عفيف، ولمّا وصلنا إلى ساوة خرج بياضها وفقهاؤها وشهودها، وكلّهم أصحاب الشّيخ، فخدموه. وكان كلّ واحدٍ يسأله أن يحضر في بيته، ويتبرَّك بدخوله وأكله مّا يحضره. قال: وخرج جميع من كان في البلد من أصحاب الصنِّاعات، ومعهم من الّذي يبيعونه طرفًا ينثرونه على محفَّته. وخرج الخبّازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم ويدفعهم من حواليه ولا ينتهون.
وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة والحلواء وغيرهم، وفعلوا كفعلهم. ولمّا بلغت النَّوبة إلى الأساكفة خرجوا، وقد عملوا مداساتٍ لطافًا للصَّغار ونثروها، وجعلت تقع على رؤوس النّاس، والشّيخ أبو إسحاق يتعجَّب. فلّما انتهوا بدأ يداعبنا ويقول: رأيتم النّثار ما أحسنه، أيّ شيء وصل إليكم منه؟ فنقول لعلمنا أنّ ذلك يعجبه: يا سيّدي؟ وأنت أيّ شيء كان حظَّك منه؟ فقال: أنا غطّيت نفسي بالمحفّة.
وخرج إليه من النّسوة الصُّوفيات جماعة، وما منهن إلاّ من بيدها سبحة، وألقوا الجميع إلى المحّفة، وكان قصدهنّ أن يلمسها بيده، فتحصل لهّن البركة، فجعل يمرَّها على بدنه وجسده، وتبرَّك بهنّ، ويقصد في حقّهنّ ما قصدن في حقّه.
وقال شيرويه الدَّيلميّ في تاريخ همذان: أبو إسحاق الشّيرازيّ، إمام عصره، قدم علينا رسولًا من أمير المؤمنين إلى السّلطان ملكشاه. سمعت منه ببغداد، وهمذان؛ وكان ثقة، فقيهًا، زاهدًا في الدّنيا. على التحقيق أوحد زمانه.
قال خطيب الموصل أبو الفضل: حدَّثني والدي قال: توجَّهت من