وفيها: قتل بجكم التركي وكنيته أبو الخير. وكان قد استوطن واسطاً، وقرر مع الراضي أنه يحمل إليه في العام ثمانمائة ألف دينار. وأظهر العدل وبنى دار الضيافة للضعفاء بواسط. وكان ذا أموال عظيمة. وكان يخرجها في الصناديق، ويخرج الرجال في صناديق أخر على الجمال إلى البرية، ثم يفتح عليهم فيحفرون ويدفن المال، ثم يعيدهم إلى الصناديق، فلا يدرون أين دفنوا، ويقول: إنما أفعل هذا لأني أخاف أن يحال بيني وبين داري. فضاعت بموته الدفائن.
قال ثابت بن سنان: لما مات الراضي استدعى بجكم والدي إلى واسط، فقال: إني أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني، وفي أمر آخر أهم من بدني، هو تهذيب أخلاقي. فقد غلب علي الغضب وسوء الخلق، حتى أخرج إلى ما أندم عليه من قتلٍ وضرب. فقال: سمعاً وطاعة. فحدثه بكلام جيد في مداراة نفسه بالتأني إذا غضب، وحضه على العفو.
وكان جيش البريدي قد وصل إلى المذار، فأنفذ بجكم كورتكين وتوزون للقائهم، فالتقوا على المذار في رجب، فانكسر أصحاب بجكم وراسلوه يستمدونه، فخرج من واسط. فأتاه كتاب بنصر أصحابه، فتصيد عند نهر جور، وهناك قوم أكراد مياسير، فشره إلى أخذ أموالهم، وقصدهم في عددٍ يسير من غلمانه وهو متخفٍّ. فهرب الأكراد منه، وبقي منهم غلام أسود، فطعنه برمح، وهو لا يعلم أنه بجكم، فقتله لتسع بقين من رجب.
وخامر معظم جنده إلى البريدي، وأخذ المتقي من داره ببغداد حواصله، فحصل له من ماله ما يزيد على ألفي ألف دينار. وصار توزون وكورتكين وغيرهما من كبار أصحابه إلى الموصل، ثم إلى الشام، إلى محمد بن رائق. واستدعاه المتقي إلى الحضرة. فسار ابن رائق من دمشق