للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله إلى جلال الدّين ابن يونس صدر المخزن: لا ينبغي لأرباب هذا المقام أن يقدموا على أمرٍ لم ينظروا في عاقبته، فإنّ النظر قبل الإقدام خيرٌ من الندم بعد الفوات، ولا يؤخذ البرآء بقول الأعداء، فلكلّ ناصح كاشح، ولا يطالب بالأموال من لم يخن في الأعمال، فإنّ المصادرة مكافأةً للظالمين، وليكن العفاف والتقى رقيبان عليك. قال الحاجب أبو طالب: وبرز توقيعٌ آخر منه إلى ابن يونس: قد تكرر تقدّمنا إليك ممّا افترضه الله علينا، ويلزمنا القيام به؛ كيف يهمل حال الناس حتّى تمّ عليهم ما قد بيّن في باطنها، فتنصف الرجل، وتقابل العامل إن لم يفلج بحجّة شرعية.

وقال القاضي ابن واصل: كان الناصر شهماً، شجاعاً، ذا فكرةٍ صائبةٍ وعقلٍ رصينٍ، ومكرٍ ودهاءٍ، وكانت هيبته عظيمة جدّاً، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف، يطالعونه بجزئيات الأمور، حتّى ذكر أنّ رجلاً ببغداد عمل دعوةً، وغسّل يده قبل أضيافه، فطالع صاحب الخبر الناصر بذلك. فكتب في جواب ذلك: سوء أدبٍ من صاحب الدّار، وفضولٍ من كاتب المطالعة.

قال: وكان مع ذلك رديء السّيرة في الرعية، مائلاً إلى الظّلم والعسف، فخربت في أيامه العراق، وتفرّق أهلها في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل أفعالاً متضادّة، إلى أن قال: وكان يتشيّع، ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه، إلى أن قال: وبلغني أنّ شخصاً كان يرى صحّة خلافة يزيد، فأحضره الخليفة ليعاقبه، فقيل له: أتقول بصحّة خلافة يزيد؟ فقال: أنا أقول: إن الإمام لا ينعزل بارتكاب الفسق، فأعرض النّاصر عنه، وأمر بإطلاقه، وخاف المحاققة.

قال: وسئل ابن الجوزيّ، والخليفة يسمع: من أفضل الناس بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>