حلفني الناصر على أشياء ما يقدر عليها ملوك الأرض، وهو أن آخذ له دمشق وحمص وحماة وحلب أو الجزيرة والموصل وديار بكرٍ ونصف ديار مصر وأعطيه نصف ما في الخزائن من المال والجواهر والخيل والثياب، فحلفت له من تحت القهر والسيف.
قال: وبرز العادل إلى بلبيس يقصد الشام، فاختلف عليه العسكر وقبضوه، وأرسلوا إلى الصالح نجم الدين يعرفونه ويحثونه على المجيء، فسار ومعه الناصر وابن موسك وجماعة أمراء فقدموا بلبيس، فنزل الصالح في مخيم أخيه، وأخوه معتقلٌ في خركاه من المخيم. وكان محيي الدين يوسف ابن الجوزي بمصر وقد خلع على الملك العادل، وعلى الوزير الفلك المسيري من جهة الخليفة.
وحدثني الصالح نجم الدين قال: والله ما قصدت مجيء الملك الناصر معي إلا خفت أن تكون معمولة علي، ومنذ فارقنا غزة، تغير علي، ولا شك، إلا أن بعض أعدائي أطمعه في الملك، فذكر لي جماعة من مماليكي أنه تحدث معهم في قتلي، ولما أفرج عني ندم وهم بحبسي ثانيا، فرميت روحي على ابن قليج، فقال: ما كان قصده إلا أن نتوجه أولا إلى دمشق فنأخذها، فإذا أخذناها عدنا إلى مصر.
قال: فلما أتينا بلبيس، شرب الناصر تلك الليلة، وشطح إلى خركاه العادل، فخرج من الخركاه، وقبل الأرض بين يديه فقال له: كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل مني؟ فقال: يا خوند التوبة. فقال: طيب قلبك، الساعة أطلقك. ثم جاء فدخل علي الخيمة ووقف، فقلت: بسم الله اجلس. قال: ما أجلس حتى تطلق العادل، فقلت: اقعد - وهو يكرر الحديث - فسكت، ولو أطلقته لضربت رقابنا كلنا، قال: فنام، فما صدقت بنومه، وقمت باقي الليل، فأخذت العادل في محفة ودخلت به القاهرة. ثم بعثت إلى الناصر بعشرين ألف دينار، فردها.
وذكر لي الصالح نجم الدين قول الناصر له: بس يدي ورجلي - يعني ليلة بلبيس - فقلت: ما أظن هذا يبدو منه، هو رجلٌ عاقل. فأقسم بالله أن هذا وقع.