وفيها هجمت الفرنج دمياط، وأحاطت بها في ربيع الأول، وكان عليها فخر الدين ابن الشيخ والعساكر، فخرجوا عنها، وخرج أهلها منها من الجهة الأخرى. وملكتها الفرنج صفواً عفواً بلا قتال ولا كلفة، بل مجرد خذلان نزل، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا من أغرب ما تم في الوجود حتى أن الفرنج اعتقدوا أن المسلمين فعلوا هذا مكيدةً. ثم بان لهم الأمر، وابتلى الله العسكر بالعدو وذهاب أموالهم. فقيل: سبب هروبهم أنهم بطقوا مرةً بعد أخرى إلى السلطان ليكشف فما جاء خبر، وكان قد سقاه الطبيب دواء مخدراً، وأوصى بأن لا يزعج ولا ينبه، فكتموه الخبر، فوقع إرجاف في دمياط بموته، ونزل بهم الخذلان.
وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب على المنصورة نازلاً، فغضب كيف يسيبها أهلها؟ وشنق من أعيان أهلها ستين رجلاً. ولما أمر بشنقهم قالوا: ما ذنبنا إذا كانت عساكره وأمراؤه هربوا وأحرقوا الزردخاناه، فأيش نعمل نحن؟ وقامت القيامة على العسكر، وخرج أهل دمياط حفاةً عراة جياعاً فقراء حيارى بالحريم والأطفال، قد سلم لهم بعض ما يعيشون به، فنهبهم المسلمون في الطريق! وأما العسكر فاستوحشوا من السلطان ودعوا بهلاكه.
قال أبو المظفر: بلغني أن مماليكه أرادوا قتله، فقال لهم فخر الدين ابن الشيخ: اصبروا عليه فهو على شفا. فمات ليلة نصف شعبان وهو على المنصورة.
وكانت أم خليل زوجته معه، وهي المدبرة لأموره أيام مرضه، فلم تغير شيئاً، بل الدهليز بحاله، والسماط يمد كل يوم، والأمراء يجيؤون للخدمة، وهي تقول: السلطان مريض، ما يصل إليه أحد. فبعثوا إلى الملك المعظم تورانشاه ولده، وهو بحصن كيفا، الفارس أقطاي أكبر مماليك أبيه، فسلك على البرية وكاد يهلك عطشاً، وأسرع به أقطاي، فقدم دمشق في آخر رمضان، وخلع على أمراء دمشق وأحسن إليهم.