وأغارت الفرنج من عثليث إلى قاقون، وأُخذت التركمان، وساق الأمير علاء الدّين طيبرس الوزيري، وعيسى بن مُهنى، فخاضوا الفرات إلى حرّان، فخرج إليهم من بها من التتار، فطاردهم ابن مُهنَّى، فخرج عليهم طيبرس، فلما رأوا الجيش نزلوا وقبّلوا الأرض وألقوا سلاحهم، فأخذوهم وكانوا ستين نفساً، وسار طيبرس فغلقوا أبواب حرّان سوى باب واحد، وخرج إليه الشيخ محاسن وهو من أصحاب الشيخ حيوة وجماعة من الأعيان، ومعهم أطعمة، فأكرمهم طيبرس، ونزل عن فرسه وأتوه بمفاتيح حرّان، وقالوا: البلد للسلطان أيَّده الله، ثم عاد طيبرس.
قال شمس الدّين محمد ابن الفخر، رحمه الله: من أعجب ما يؤرخ أن امرأة أمشاطي في جوار دار بني هلال بباب الناطفيين في جمادى الأولى في مدة سبعة أيام وضعت طروحاً أحد عشر ولداً ذكوراً وإناثاً، وبعضهم قد كملت خلقته وبعضهم قد تبين بعضها لأربعة أشهر ونصف، وهذا غريبٌ نادر، واشتهر ذلك في دمشق، واستثبته قاضي القضاة عز الدّين وأرّخه.
وفي جمادى الآخرة عبر السلطان إلى بر الجيزة، فأخبر أن ببوصير مغارةٌ فيها مطلب، فجمع لها خلقاً وحفرواً مداً طويلاً، فوجدوا كلاباً ميتة وقطاطاً وطيوراً، والكل ملفوف في عصائب وخرقٍ، فإذا حُلت اللفائف ولاقى ذلك الحيوان الهواء صار هباءً، وأقاموا ينقلون من ذلك شيئاً كثيراً ولا ينفد فتركوه.
وفي شعبان احتيط على دار القاضي شمس الدّين محمد ابن العماد، وحمل ما فيه من الودائع إلى قلعة الجبل؛ وذلك لأن ابن العماد عزل نجم الدّين ابن حمدان عن نيابة الحكم لأمر، فحمل أخاه التقيّ شبيباً الكحّال التّعُّصبُ على أن كتب ورقةً إلى السلطان أن عند ابن العماد ودائع كثيرة لتجار من حّران وبغداد والشام وقد مات أهلها، فاستدعاه السلطان وسأله عن الودائع فأنكر، فحلف متأولاً، فكُبس بيته، فوجد فيه كثيرٌ مما قيل، لكن أصحابها أحياء ومنهم من مات وله وارث، فأخذ من ذلك زكاته مدة سنتين وحنق عليه السلطان وحبسه، فتسلَّط عليه شبيب، وادَّعى أنه حشويّ، وأنه يقدح في الدولة وكتب بذلك محضراً، وسافر السلطان إلى الشام، ثم عقد مجلسٌ بحضرة الأمير بدر الدّين بيليك الخزندار، فاستدعي بالشهود الذين