حال، فالجامع بينك وبين صلاح الدين أن أصله من الأكراد، فلا يخرج الأمر عنه إلى الأتراك. ووعده بزيادة إقطاعه، فلان وحلف. ثم ذهب ضياء الدين واجتمع بعين الدولة الياروقي، وكان أكبر الجماعة وأكثرهم جمعا، فلم تنفع رقاه، وقال: لا أخدم يوسف أبدا. وعاد إلى نور الدين ومعه غيره، فأنكر عليهم فراقهم له.
قال العماد: وكان بالقصر أستاذ خصي يلقب بمؤتمن الخلافة، لأمره نفاذ، وبه في الشدة عياذ، وله بتمحل الحيل لياذ، وعلى القصر استحواذ، فشمر وتنمر، وقال: من كسرى، ومن كيقباذ. وتآمر هو ومن شايعه وبايعه على مكاتبة الفرنج، فكاتبوهم خفية، فاتفق أن تركمانيا عبر بالبير البيضاء فرأى نعلين جديدين مع إنسان، فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدين، فوجد في البطانة خرقا مكتوبة مكتومة مختومة، بالشر محتومة، وإذا هي إلى الفرنج من القصر؛ يرجون بالفرنج النصر، فقال: دلوني على كاتب هذا الخط. فدلوه على يهودي من الرهط، فلما أحضروه تلفظ بالشهادتين، واعترف أنه بأمر مؤتمن الخلافة كتبه، واستشعر الخصي العصي، وخشي أن تسقه على شق العصا العصي، فلزم القصر، وأعرض عنه صلاح الدين، ثم خرج إلى قرية له، فأنهض له السلطان صلاح الدين من أخذ رأسه في ذي القعدة.
ولما قتل هذا الخادم غار السودان وثاروا، ومن إسعار السعير استعاروا، وقاموا ثاني يوم قتله وجيشوا، وكانوا أكثر من خمسين ألفا؛ من كل أعبس أغبش، أحمر أحمش، أجرى أجرش، ألسع أليش أسود وأسحم حسامه يحسم، فحسبوا أن كل بيضاء شحمة، وأن كل سوداء فحمة، وحمراء لحمة، وأن كل ما أسدوه من العجاج ما له لحمة، فأقبلوا ونصرائهم زحمة، وما في قلوبهم رحمة، فقال أصحابنا: إن فشلنا عنهم سلونا البقاء، وما في عادتهم العادية شيء من الإبقاء، فهاجوا إلى الهيجا، وكان المقدم الأمير أبو الهيجا، واتصلت الحرب بين القصرين، ودام الشر يومين، وأخرجوا عن منازلهم العزيزة إلى الجيزة، وكانت لهم محلة تسمى المنصورة، فأخربت وحرثت.