للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحفوظ فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس فمخلوق.

قلت: للعلماء قولان في داود هل يعتد بخلافه أم لا؟ فقال أبو إسحاق الإسفراييني: قال الجمهور: إنهم، يعني نفاة القياس، لا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء.

ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي، عن أبي علي بن أبي هريرة، وطائفة من الشافعيين أنه لا اعتبار بخلاف داود، وسائر نفاة القياس في الفروع دون الأصول.

وقال أبو المعالي الجويني: الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة، ولا من حملة الشريعة، لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترا؛ لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام.

قلت: قول أبي المعالي رحمه الله فيه بعض ما فيه، فإنما قاله باجتهاد، ونفيهم للقياس أيضا باجتهاد، فكيف يرد الاجتهاد بمثله؟ نعم، وأيضا فإذا لم يعتد بخلافهم لزمنا أن نقول: إنهم قد خرقوا الإجماع، ومن خالف الإجماع يكفر ويقتل حدا لعناده، فإن قلتم: خالفوا الإجماع بتأويل سائغ، قلنا: فهذا هو المجتهد، فلا نقول يجوز تقليده، إنما يحكى قوله، مع أن مذهب القوم أنه لا يحل لأحد أن يقلدهم ولا أن يقلد غيرهم، فلأن نحكي خلافهم ونعده قولا أهون وأسلم من تكفيرهم.

ونحن نحكي قول ابن عباس في الصرف، والمتعة، وقول الكوفيين في النبيذ، وقول جماعة من الصحابة في ترك الغسل من الجماع بلا إنزال، ومع هذا فلا يجوز تقليدهم في ذلك.

فهؤلاء الظاهرية كذلك، نعتد بخلافهم، فإن لم نفعل صار ما تفردوا به خارقا للإجماع، ومن خرق الإجماع المتيقن فقد مرق من الملة. لكن الإجماع المتيقن هو ما علم بالضرورة من الدين: كوجوب رمضان، والحج، وتحريم الزنا والسرقة، والربا، واللواط.

والظاهرية فلهم مسائل شنيعة، لكنها لا تبلغ ذلك، والله أعلم.

وقال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور

<<  <  ج: ص:  >  >>