لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريش يكون فيه، ومشى النبي - صلى الله عليه وسلم - على موضع الوقعة، فأرى أصحابه مصارع قريش، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان. قال: فما عدا واحد منهم مصرعه ذلك.
ثم بعثت قريش فحزروا المسلمين. وكان فيهم فارسان: المقداد والزبير. وأراد عتبة بن ربيعة، وحكيم بن حزام قريشا على الرجوع فأبوا، وكان الذي صمم على القتال أبو جهل، فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء. فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلين قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحتفهم الغداة. وقال - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر – إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.
وكان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري بعث إلى قريش، حين مروا به، ابنا بجزائر هدية، وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه: أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي ينبغي، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا ضعف، وإن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد، ما لأحد بالله من طاقة.
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعوهم. فما شرب رجل يومئذ إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام. ثم إنه أسلم بعد ذلك، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر.
ثم بعثت قريش عمير بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين. فجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع فقال: هم ثلاثمائة يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر للقوم كمين أو مدد؟ وضرب في الوادي، فلم ير شيئا فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئا، ولكني قد رأيت - يا معشر قريش - البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع. قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا