وكان عاقلًا فطنًا، يتكلّم بالحكمة في أمر الدين، حدّثني من حضر موته قال: كنّا أنا وفلان وفلان، فتوضّأ ثم صار يسأل عن وقت الظهر، فقال بعضنا: جرت عادة الناس يأخذون من آثار مشايخهم للتبرّك. فقال: إن قبلتم مني لا تريدون شيئًا من الدنيا، قال: فبينما أنا جالس أغفيت، فرأيت كأن البيت الذي نحن فيه يخرج منه مثل ألسن الشمع، يعني النور. ورأيت كأن شيخًا قد جاء إلى عند الشيخ أبي بكر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشيخ حمد، فانتبهت فجعلت أسأل الجماعة عن الشيخ حمد، ففطن لي الشيخ فقال: أيش تقول؟ فقصصت عليه الرؤيا، فقال: نعم، هذا الشيخ حمد بن سرور قد جاء إلينا. وكان الشيخ حمد من مشايخ حران، قال: ثم إنه ما زال يسأل عن وقت الظهر، حتى بقي من الوقت قدر قراءة جزء، ثم إنه تفل مثل النّفخة، فخرجت معها نفسه وحمل إلى حران فدفن بها رضي الله عنه.
٣٩٤ - أبو جعفر بن هارون الترجالي، الأندلسي، من كبار أهل إشبيلية.
وكان رأسًا في الفلسفة، والطب، والكحالة، ذا عناية بكتب أرسطوطاليس، خدم أبا يعقوب بن عبد المؤمن، وقد أخذ عن الفقيه أبي بكر ابن العربي، ولازمه مدّة، وعنه أخذ أبو الوليد بن رشد الحفيد، علم الأوائل.
وترجالة: من ثغور الأندلس.
٣٩٥ - أبو الفتح الموصلي العابد، ويعرف بابن الرئيس.
قال الحافظ الرهاوي: كان زاهدًا، ورعًا، قنوعًا، صائم الدهر، نوراني الوجه، حسن الأخلاق، رزين العقل، متواضعًا، شديدًا في السنّة، داعيًا إليها، حافظًا للقرآن، لقّن خلقًا. وكان خياطًا يتقوّت باليسير والباقي ينفقه على أخيه وأولاد أخيه، وكان يلبس قميص خام ومئزر خام خشنًا، ولم يكن بالموصل في آخر زمانه مثله. مات وشيّعه خلق لا يحصون رحمه الله تعالى.