قد ذكرنا أن أهل بغداد كلهم كانوا بالجانب الغربي، وعسكر محمود في الجانب الشرقي، وتراموا بالنشاب، ثم إن جماعة من عسكر محمود حاولوا الدخول إلى دار الخلافة من باب النوبي، فمنعتهم الخاتون، فجاءوا إلى باب الغربة في رابع المحرم، ومعهم جمع من الساسة والرعاع، فأخذوا مطارق الحدادين، وكسروا باب الغربة، ودخلوا إلى التاج فنهبوا دار الخلافة من ناحية الشط، فخرج الجواري حاسرات يلطمن، ودخلن دار خاتون، وضج الخلق، فبلغ الخليفة، فخرج من السرادق، وابن صدقة بين يديه، وقدموا السفن في دفعةً واحدة، ودخل عسكر الخليفة، وألبسوا الملاحين السلاح، وكشفوا عنهم بالنشاب، ورمى العيارون أنفسهم في الماء وعبروا، وصاح المسترشد بالله بنفسه: يا آل بني هاشم، فصدق الناس معه القتال، وعسكر السلطان مشغولون بالنهب، فلما رأوا عسكر الخليفة ذلوا وولوا الأدبار، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السراديب، فدخل وراءهم البغداديون وأسروا جماعة، وقتلوا جماعة من الأمراء، ونهب العامة دور أصحاب السلطان، ودار وزيره، ودار العزيز أبي نصر المستوفي، وأبي البركات الطيب، وأخذ من داره ودائع وغيرها بما قيمته ثلاثمائة ألف، وقتل من أصحاب السلطان عدةٌ وافرةٌ في الدروب والمضائق.
ثم عبر الخليفة إلى داره في سابع المحرم بالجيش، وهم نحو ثلاثين ألف مقاتل بالعوام وأهل البر، وحفروا بالليل خنادق عند أبواب الدروب، ورتب على أبواب المحال من يحفظها، وبقي القتال أيامًا إلى يوم عاشوراء، انقطع القتال، وترددت الرسل، ومال الخليفة إلى الصلح والتحالف، فأذعن