القضاة عوريس رأى عيسى ابن مريم كأنه أخرج له رأسه من السماء، فقال له العوريس: الصلب حق؟ فقال له ابن مريم: نعم. فعبرها العابر وقال: صاحب هذه الرؤيا يصلب لأن المسيح معصوم، ولا يمكن أن يكون ذلك راجعا إليه، لأن الله تعالى نص لنا أنه لم يصلب، فبقي أن يكون راجعا للرائي. وجاء الكتاب إلى دمشق بقصة هؤلاء يوم موت نور الدين رحمه الله، وكانوا أيضا قد كاتبوا سنانا وأهل الحصون يستعينون بهم.
فلما كان في السادس والعشرين من ذي الحجة وصل أصطول الفرنج من صقلية، فنازلوا الإسكندرية بغتة، فجاءوا بناء على مراسلة الذين صلبوا، وكان معهم ألف وخمسمائة فرس، وعدتهم ثلاثون ألف مقاتل من بين فارس وراجل، وكان معهم مائتا شيني وست سفن كبار وأربعون مركبا، وبرز لحربهم أهل الثغر، فحملوا على المسلمين حملة أوصلتهم إلى السور، ففقد من المسلمين فوق المائتين، فلما أصبحوا زحفوا على الإسكندرية، ونصبوا ثلاث دبابات بكباشها، وهي كالأبراج، وثلاثة مجانيق تضرب بحجارة سود، استصحبوها من صقلية، فزحفوا إلى أن قاربوا السور، فرأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندرية ما راعهم. وبعثت بطاقة إلى الملك صلاح الدين وهو نازل على فاقوس، فاستنهض الجيش وبادروا، واستمر القتال.
وفي اليوم الثالث فتح المسلمون باب البلد، وكبسوا الفرنج على غفلة، وحرقوا الدبابات، وصدقوا اللقاء، ودام القتال إلى العصر، ونزل من الله النصر، واستحر بالفرنج القتل. ورد المسلمون إلى البلد لأجل الصلاة، ثم كبروا عند المغرب، وهاجموا الفرنج في خيامهم، فتسلموها بما حوت، وقتلوا من الرجالة ما لا يوصف. واقتحم المسلمون البحر، فغرقوا المراكب وحرقوها، وهربت باقي المراكب، وصار العدو بين أسير وقتيل وغريق، واحتمى ثلاثمائة فارس في رأس تل فأخذوا أسرى، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة، فلله الحمد كثيرا.