سبتة كان أدقّ ما يكون من عرض البحر، وعرضه ثلاثة فراسخ، ويسمى العدوة، وزقاق سبتة، وغير ذلك، ومنه دخل المسلمون في المراكب لمّا افتتحوا الأندلس في دولة الوليد بن عبد الملك، واستضرى الفنش واستفحل أمره، واتّسع ملكه، وكتب إلى يعقوب يحثه في الدّخول إليه، فأخذته حميّة الإسلام، وسار فنزل على زقاق سبتة، وجمع المراكب وعرض جيوشه، فكانوا مائة ألف مرتزقة، ومائة ألف مطَّوّعة، وعدّوا كلُّهم، ووصل إلى موضع يقال له الزّلاّقة وجاء الفنش في مائتي ألف وأربعين ألفاً، فالتقوا، فنصر الله دينه، ونجا الفونش في عددٍ يسير إلى طليطلة، وغنم المسلمون غنيمةً لا تحصى.
قال أبو شامة: كان عدّة من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفًا، وأسر ثلاثون ألفاً، وأخذ من الخيام مائة ألف خيمة وخمسون ألفاً، ومن الخيل ثمانون ألف رأس، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير أربع مائة ألف حمار، تحمل أثقالهم، لأنّهم لا جمال عندهم، ومن الأموال والجواهر والقماش ما لا يحصى.
قال: وبيع الأسير بدرهم، والسّيف بنصف، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وقسّم يعقوب الملقّب بأمير المؤمنين الغنائم على مقتضى الشّريعة فاستغنوا للأبد. وأمّا الفنش فوصل بلده على أسوأ حال، فحلق رأسه ونكّس صليبه، وآلى أن لا ينام على فراش ولا يقرب النّساء، ولا يركب حتّى يأخذ بالثّأر، وأقام يجمع من الجزائر والبلاد ويستعدّ.
قال: وقيل: إنما كانت هذه الوقعة في سنة تسعين.
وذلك وهم، إنّما كانت في سنة إحدى وتسعين في تاسع شعبان.
[سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة]
فيها استنيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ بن عليّ ابن البخاريّ.
وفيها أفرج عن الأمير مجير الدّين طاشتكين الحاجّ، وولي مملكة بلاد