للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفريقان وسعهم في الصبر. وهذا القتال كله مع ابن جنكزخان، فإن أباه لم يحضر الوقعة، ولم يشعر بها، وقتل من المسلمين عشرون ألفاً، ومن الكفار ما لا يُحصى.

فلما كانت الليلة الرابعة نزل بعضهم مقابل بعضهم، فلما كان الليل أوقد التتار نيرانهُم، وتركوها بحالها وساروا، وكذلك فعل المسلمون أيضاً، كل منهم قد سئم القتال. ورجع المسلمون إلى بخارى، فاستعدوا للحصار لعلم خُوارزم شاه بعجزه، لأن طائفة من التتار لم يقدر أن يظفر بهم، فكيف إذا جاؤوا بأجمعهم مع ملكهم جنكزخان؟ فأمر أهل بخارى وسمرقند يستعدون للحصار، وجعل ببخارى عشرين ألف فارس، وفي سمرقند خمسين ألف فارس، وقال: احفظوا البلاد حتى أعود إلى خُوارزم وأجمع العساكر وأعود. ثم عبر النهر ونزل على بلخ، فعسكر هناك.

وأما التتار فإنهم أقبلوا، فنازلوا بخارى وحاصروها ثلاثة أيام وزحفوا، ففر من بها من العساكر، وطلبوا خُراسان في الليل، فأصبح البلدُ خالياً من العسكر، فأخرجوا القاضي بدر الدين ابن قاضي خان ليطلب لهم الأمان، فأعطوهم الأمان، واعتصم طائفة من العسكر بالقلعة، ففتحت أبواب بُخارى للتتار في رابع ذي الحجّة سنة ست عشرة، فدخلت التتار ولم يتعرضوا إلى أحد، بل طلبوا الحواصل السلطانية، وطلبوا منهم المساعدة على قتال من بالقلعة، وأظهروا العدل. ودخل جنكزخان؛ لعنه الله، وأحاط بالقلعة، ونادى في البلد أن لا يتخلف أحدٌ، من تخلف قتل، فحضروا كلهم لطم الخندق، وطموه بالتراب والأخشاب، حتى إن التتار كانوا يأخذون المنابر وربعات الكتاب العزيز فيلقونها في الخندق، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم زحفوا على القلعة وبها أربعمائة فارس، فمنعوها اثني عشر يوماً، فوصلت النقوب إلى سورها. واشتد القتال، فغضب جنكزخان ورد أصحابهُ ذلك اليوم، وباكرهم من الغد، وجدوا في القتال، فدخلوا القلعة، وصدقهم أهلها حتى قتلوا عن آخرهم. ثم أمر جنكزخان أن يُكتب له رؤوس البلد، ففعلوا، ثم أحضرهم فقال: أريد منكم النقرة التي باعكم خُوارزم شاه فإنها لي. فأحضر كل من عند شيء منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>