ما الذي أصابك بمكة؟ فقال: دخلت قبة زمزم، وتجردت للاغتسال، وكان في يدي دملج فيه ثمانون مثقالًا، فخلعته واغتسلت، وأنسيته، وخرجت. فقال رجل من الجماعة: هذا دملجك خذه، له معي سنين! فدهش الناس من إسراع جبر مصيبته.
وفيها نازل الملك علي بن يوسف بن تاشفين البربري مدينة قرطبة وضايقها، وآذى الناس، فتذللوا له، وبذلوا له أموالًا عظيمة، حتى ترحل عنهم. وكانوا قد خرجوا عليه لكونه بعث على نيابة قرطبة قائدًا ظالمًا، فأراد عبد من عبيده أن يكره امرأة ويضطهدها علانية، فضربه الناس، فآل الأمر إلى قتال، حتى تسوروا على القائد وأخرجوه، بعد أن كادوا يقتلونه. وجرت فتنة عظيمة، وكان البربر في هذه السنين غالبين على الأندلس، وفيهم قلة دين.
وقبل سفر ابن تاشفين وقف له بجامع مراكش محمد بن تومرت الفقيه، وكلمه بكلام فج، فقال: أيها الأمير، إنك حلت بين بصرك وبين الحق بظلمة التقليد، فقلدت قومًا أكلوا الدنيا بالآخرة، وأنا أناظرهم بين يديك، وأصقل مرآتك، حتى تأمر بالاحتياط عليه. وأحضر له جماعة من أهل الأصول والفروع.
[سنة ست عشرة وخمسمائة]
فيها كلم الخليفة الوزير أبا طالب السميرمي في أمر دبيس، وأن في قربه من بغداد خطرًا، فنؤثر مقام آقسنقر البرسقي عندنا لنصحه، فوافق السلطان محمود على ذلك وفعله.
ثم خرج في ربيع الأول من بغداد، وكانت إقامته بها سنة وسبعة أشهر ونصفا. وخلع على البرسقي، وكلم في شأن دبيس، فتوجه إلى صرصر. وتصاف العسكران، وانجلت الوقعة عن هزيمة البرسقي، وكان في خمسة آلاف فارس، ودبيس في أربعة آلاف بأسلحة ناقصة، إلا أن رجالته كانت كثيرة.
ورأى البرسقي في الميسرة خللًا، فأمر بحط خيمته لتنصب عندهم ليشجعهم بذلك، وكان ذلك ضلة من الرأي؛ لأنهم لما رأوها حطت أشفقوا فانهزموا، وكان الحر شديدًا، فهلكت البراذين والهماليج عطشًا. وترقب الناس من دبيس الشر، فلم يفعل، وأحسن السيرة، وراسل الخليفة وتلطف، وتقررت قواعد الصلح.