للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنعى إليك لسان الحق مذ زمن أودى وتذكاره في الوهم كالعدم أنعى إليك بيانا تستسر له أقوال كل فصيح مقول فهم أنعى إليك إشارات العقول معا لم يبق منهن إلا دارس العلم أنعى وحقك أحلاما لطائفة كانت مطاياهم من مكمد الكظم مضى الجميع فلا عين ولا أثر مضي عاد وفقدان الأولى إرم وخلفوا معشرا يجدون لبستهم أعمى من البهم بل أعمى من النعم ثم سكت، فقال خادمه أحمد بن فاتك: أوصني يا سيدي. فقال: هي نفسك إن لم تشغلها شغلتك. فلما أصبحنا أخرج من الحبس، فرأيته يتبختر في قيده ويقول:

نديمي غير منسوب. . . الأبيات.

ثم حمل وقطعت يداه ورجلاه، بعد أن ضرب خمس مائة سوط، ثم صلب، فسمعته وهو على الجذع يناجي ويقول: إلهي، أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب، إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك، فكيف لا تتودد إلى من يؤذى فيك. ثم رأيت أبا بكر الشبلي وقد تقدم تحت الجذع، وصاح بأعلى صوته يقول: أولم أنهك عن العالمين. ثم قال له: ما التصوف؟ قال: أهون مرقاة فيه ما ترى. قال: فما أعلاه؟ قال: ليس لك إليه سبيل، ولكن سترى غدا ما يجري، فإن في الغيب ما شهدته وغاب عنك. فلما كان بالعشي جاء الإذن من الخليفة بأن تضرب رقبته، فقالوا: قد أمسينا ويؤخر إلى الغداة. فلما أصبحنا أنزل وقدم لتضرب رقبته، فسمعته يصيح ويقول بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. وقرأ هذه الآية: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} وهذا آخر كلامه. ثم ضربت رقبته، ولف في بارية، وصب عليه النفط وأحرق، وحمل رماده إلى رأس المنارة لتسفيه الرياح. وسمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي، قال: رأيت رب العزة في المنام، وكأني واقف بين يديه، قلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ فقال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت.

قال ابن باكويه: سمعت أبا القاسم يوسف بن يعقوب النعماني يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>