ولله وفي الله رحلتاه، وفي سبيل الله يوماه: يوم سفك دم المحابر تحت قلمه، ويوم سفك دم الكافر تحت علمه. ففي الأول يطلب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيجعل أثره عينًا لا تستر. وفي الثاني يحفل لنصرة شريعة هداه على الضلال، فيجعل عينه أثرًا لا يظهر.
إلى أن قال: وما يحسب المملوك أن كاتب اليمين كتب لملك رحلةً قط في طلب العلم إلا للرشيد، فرحل بولديه الأمين والمأمون لسماع هذا الموطأ الذي اتفقت الهمتان الرشيدية والناصرية على الرغبة في سماعه، والرحلة لانتجاعه. وكان أصل الموطأ بسماع الرشيد على مالك في خزانة المصريين، فإن كان قد حصل بالخزانة الناصرية فهو بركة عظيمة، وإلا فليلتمس.
وفيها أرسل شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم، وبشير المستنجدي الخادم إلى السلطان صلاح الدين بتقليد ما بيده من البلاد، وهو من إنشاء قوام الدين بن زبادة، فمنه: ولما كان الملك الأجل السيد صلاح الدين، ناصر الإسلام، عماد الدولة، جمال الملة، فخر الأمة، صفي الخلافة، تابع الملوك والسلاطين، قامع الكفرة والمتمردين، قاهر الخوارج والمشركين، عز المجاهدين، ألب غازي بك أبو يعقوب يوسف بن أيوب، أدام الله علوه على هذه السجايا مقبلًا.
وذكر التقليد، وفيه: آمره بتقوى الله، وآمره أن يتخذ القرآن دليلًا، وآمره بمحافظة الصلاة، وحضور الجماعة ولزوم نزاهة الحرمات. وآمره بالإحسان وبإظهار العدل، وأن يأمر بالمعروف، وأن يحتاط في الثغور، وأن يجيب إلى الأمان. وآمره بكذا وآمره بكذا. وكتب في صفر سنة ست وسبعين.
وفيها وصل الفقيه هبة الله بن عبد الله من عند صاحب جزيرة قيس رسولًا، وقدم هدايا.
وفي جمادى الأولى يوم الجمعة ركب الخليفة في الدست تظله الشمسية،