انكشف أمره عن خضرة طحلبيّة، كلمّا تطاولت الأيام ظهرت وكثّرت كالّتي ظهرت في أبيب من السّنة الخالية، ولم تزل الخضرة تتزايد إلى أواخر شعبان، ثم ذهبت، وبقي في الماء أجزاء نباتيّة منتنة، وطاب طعمه وريحه، ثمّ أخذ ينمَى ويقوى جريه إلى نصف رمضان، فقاس ابن أبي الرداد قاع البركة فكان ذراعين، وزاد زيادةً ضعيفة إلى ثامن ذي القعدة، ثم وقف ثلاثة أيّام، فأيقن الناس بالهلاك، واستسلموا، ثم إنه أخذ في زيادات قويّة، فبلغ في ثالث ذي الحجة خمسة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعاً، ثم انحطَّ من يومه، ومسّ بعض البلاد تحلة القسم، وأروى الغربيّة ونحوها، غير أن القرى خالية كما قال تعالى:{فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ} وزرع الأمراء بعض البلاد، ونهاية سعر الإردبّ خمسة دنانير، وأما بقُوص، والإسكندريّة فبلغ ستة دنانير.
ودخلت سنة ثمانٍ وتسعين والأحوال على حالها أو في تزيُّد إلى زهاء نصف السّنة، وتناقصت موت الفقراء لقلّتهم، لا لارتفاع السبب الموجب وتناقص أكل الآدمييّن ثم عُدِم، وقلَّ خطفُ الأطعمة من الأسواق لفناء الصّعاليك، ثم انحط الإردب إلى ثلاثة دنانير لقلة الناس، وخفّت القاهرة، وحُكي لي أنّه كان بمصر تسع مائة منسج للحُصر، فلم يبق إلاّ خمسة عشر منسجاً، فقس على هذا أمر باقي الصُّناع من سائر الأصناف، وأما الدّجاح فعُدِم رأساً، لولا أنّه جُلِب من الشّام، وحكي لي أن رجلًا جلب من الشّام دجاجًا بستّين ديناراً، باعها بنحو ثمانمائة دينار، فلمّا وُجد البيض بيع بيضة بدرهم، ثم كثُر، وأما الفراريج فاشتُرِي الفرُّوج بمائة درهم، ثم أبيع بدينار مُديدة.
وقال في أمر الخراب: فأما الهلاّلية، ومُعظم الشارع ودور الخليج، وحارة السّاسة والمقس، وما تاخم ذلك، فلم يبق فيها أنيس، وإنّما ترى مساكنهم خاوية على عروشها.
قال: والّذي تحت قلم ديوان الحبس من الموتى الحشرية وضمّته الميضأة في مدّة اثنتين وعشرين شهرًا مائة ألف وأحد عشر ألفًا إلا شيئًا يسيراً.