للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الأثير: رأيت كتابًا بخط يده كتبه إلى شمس الدولة تورانشاه، وهو بدمشق، يذكر الوقعة، وفي أوله: ذكرتك والخطيّ يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقّفة السمر ويقول فيه: لقد أشرفنا على الهلاك غير مرة، وما نجانا الله إلا لأمر يريده.

وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر.

وقال غيره: انهزم السلطان والناس، ولم يكن لهم بلد يلجؤون إليه إلا مصر، فسلكوا البرية، ورأوا مشاقًا، وقل عليهم القوت والماء، وهلكت خيلهم، وفقد منهم خلق.

ودخل السلطان القاهرة بعد ثلاثة عشر يومًا، وتواصل العسكر، وأسر الفرنج منهم. واستشهد جماعة منهم: أحمد ولد تقي الدين عمر المذكور، وكان شابًا حسنًا له عشرون سنة. وكان أشد الناس قتالًا يومئذ الفقيه عيسى الهكّاري. وحملت الفرنج على صلاح الدين، وتكاثروا عليه، فانهزم يسير قليلًا قليلًا. وكانت نوبةً صعبة.

وفيها نزلت الفرنج على حماة، وهي لشهاب الدين محمود بن تكش خال السلطان، وكان مريضا، وكان الأمير سيف الدين المشطوب قريبا من حماة، فدخلها وجمع الرجال. فزحفت الفرنج على البلد، وقاتلهم المسلمون قتالا شديدا مدة أربعة أشهر، ثم ترحلوا عنها. وأما السلطان فإنه أقام بالرملة أياما بمن سلم معه، ثم خرج من مصر. وعيّد بالبركة، ثم كمل عدة جيشه، فبلغه أمر حماة، فأسرع إليها، فلما دخل دمشق تحقق رحيل الفرنج عن حماة.

وعصى الأمير شمس الدين محمد بن المقدم ببعلبك، فكاتبه السلطان وترفق به، فلم يجب، ودام إلى سنة أربع.

وجاء كتاب ابن المشطوب أن الذي قتل من الفرنج على حماة أكثر من ألف نفس.

ووردت مطالعة القاضي الفاضل إلى صلاح الدين تتضمن التوجع لقتل الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء، وفيها: وما ربّك بظلاّم للعبيد فقد كان -عفا الله عنه- قتل ولدي الوزير ابن هبيرة، وأزهق أنفسهما

<<  <  ج: ص:  >  >>