قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوما، ما ذاق شيئا إلا مقدار ربع سويق، ورأيت ماقي عينيه قد دخلا في حدقتيه.
وقال صالح بن أحمد: وأوصى أبي بالعسكر هذه الوصية:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله في العابدين، ويحمدوه في الحامدين، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين. وأوصي أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا. وأوصي أن لعبد الله بن محمد المعروف بفوران علي نحوا من خمسين دينارا، وهو مصدق فيما قال، فيقضى ما له علي من غلة الدار إن شاء الله، فإذا استوفى أعطي ولد صالح وعبد الله ابني أحمد بن محمد بن حنبل، كل ذكر وأنثى عشرة دراهم بعد وفاء مال أبي محمد. شهد أبو يوسف، وصالح، وعبد الله ابنا أحمد.
أنبئت عمن سمع أبا علي الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم في الحلية، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كتب عبيد الله ابن يحيى إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن، لا مسألة امتحان، ولكن مسألة معرفة وتبصرة. فأملى علي أبي رحمه الله إلى عبيد الله بن يحيى وحدي ما معي أحد:
بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته. قد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني. وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله وذهب به بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما،