ولما بلغ دبيسا اشتغال محمود أخذ في أذية السواد، وانجفل أهل نهر عيسى، ونهر الملك. وأتى عنان صاحب جيشه، فحاصر بعقوبا، وأخذها، وسبى الحريم والأولاد.
وكان دبيس يعجبه اختلاف السلاطين، فلما خاف من مجيء محمود أمر بإحراق الغلات والأتبان، وبعث إليه الخليفة ينذره فلم ينفع، وبعث إليه السلطان محمود يتألفه، فلم يهتز لذلك.
وقدم بغداد ونازلها بإزاء دار الخليفة، فوجل منه الناس، وأخرج نقيب الطالبيين، وتهدد دار الخلافة، وقال: إنكم استدعيتم السلطان؛ فإن أنتم صرفتموه، وإلا فعلت وفعلت. فأنفذ إليه أنه لا يمكن رد السلطان، بل نسعى في الصلح. فانصرف دبيس، فسمع أصوات أهل باب الأزج يسبونه، فعاد وتقدم بالقبض عليهم، وضرب جماعة منهم بباب النوبي.
وفيها قال ابن الأثير: خرج الكرج، وهم الخزر، إلى بلاد الإسلام، وكانوا قديمًا يغيرون، فامتنعوا أيام ملكشاه. فلما كان في هذه السنة خرجوا ومعهم القفجاق وغيرهم، فسار لحربهم دبيس وإيلغازي وجماعة في ثلاثين فارس، فالتقى الجمعان، فانكسر المسلمون، واصطدم المنهزمون. وتبعهم الكفار يقتلون ويأسرون، فقتلوا أكثرهم، وأسروا أربعة آلاف رجل، ونجا طغرل أخو السلطان ودبيس.
ونازلت الكرج تفليس، وحصروها مدة إلى سنة خمس عشرة، وأخذوها بالسيف.
وفيها في ربيع الأول كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه الملك مسعود، وكان بيد مسعود أذربيجان والموصل، وعمره إحدى عشرة سنة. وسبب الحرب أن دبيس بن صدقة كان يكاتب أتابك الملك مسعود، ويحثه على طلب السلطنة لمسعود، وكان مع مسعود قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الذي كان شحنة بغداد قد أقطعه مراغه والرحبة، وكان معاديًا لدبيس. فكاتب دبيس الأتابك جيوش بك يحرضه على القبض على البرسقي، فعرف البرسقي، ففارقهم إلى محمود، فأكرمه ورفع محله.
واتصل أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني الطغرائي مصنف لامية