للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السري بن عباد المروزي، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن شقيق البلخي الزاهد، قال: سمعت أبي يقول: لقيت العلماء، وأخذت من آدابهم، لقيت سفيان الثوري فأخذت لباس الدون منه، رأيت عليه إزارا قدر أربعة دراهم، وأخذت الخشوع من إسرائيل بن يونس كنا جلوسا حوله لا يعرف من يمينه ولا من عن شماله من تفكر الآخرة، فعلمت أنه رجل صالح ليس بينه وبين الدنيا عمل، وأخذت قصد المعيشة من ورقاء بن عمر، طلبنا منه تفسير القرآن، فقال: بشرط أن نتغدى ونتعشى عنده، فكان يقدم إلينا خبر الشعير وإدام الخل والزيت، فقال: هذا لمن يطلب الفردوس ويهرب من النار، وأخذت الزهد من عباد بن كثير، طلبت منه كتاب الزهد، فقال: اللهم اجعله من الزاهدين في الدنيا، فرجوت بركة دعائه، ودخلت منزله فإذا قدور تغلي بين حامض وحلو، فأنكرت، فقال لي خادمه: لا عليك يا خراساني، إنه لم يأكل منه سبع سنين لحما، وإنه ليتخذ كل يوم تسع قدور يطعم المساكين والمرضى ومن لا حيلة له. وأخذت التعاون والتوكل من إبراهيم بن أدهم، كنا عنده في رمضان، فأهدي إليه سلة تين، فتصدق بها على مساكين، فقلنا: لو تدع لنا شيئا، قال: ألستم صوام؟ قلنا: بلى، قال: ليس لكم حياء، ليس لكم رعة، أما تخافون الله لطول أملكم إلى العشاء، وسوء ظنكم بالله، وذلك عند غيبوبة الشمس، ثم قال: ثقوا بالله، أحسنوا الظن بالله.

وأخذت الحلال، وترك الشبه من وهيب المكي، قال: مذ خرج السودان فإني لم آكل من فواكه مكة، فقيل له: فإنك تأكل من طعام مصر وهو خبيث! قال: علي عهد الله وميثاقه أن لا آكل طعاما حتى تحل لي الميتة، فكان يجوع نفسه ثلاثة أيام، فإذا أراد أن يفطر قال: اللهم إنك تعلم أني أخشى ضعف العبادة وإلا ما أكلته، اللهم ما كان فيه من خبيث فلا تؤاخذني به، ثم يبله بالماء فيأكله رحمه الله.

قلت: قد احتج به أرباب الكتب الصحاح، وكان ثقة حافظا صالحا خاشعا من أوعية الحديث، مات سنة اثنتين وستين ومائة، وقيل: سنة إحدى.

<<  <  ج: ص:  >  >>