ودفن نور الدين بتربته على باب الخواصين رحمه الله، وعاش ابنه عشرين سنة، ومات بالقولنج في حلب.
وقال مجد الدين ابن الأثير الجزري، في تاريخ الموصل على ما حكاه أبو المظفر ابن الجوزي عنه، قال: لم يلبس حريرًا قط، ولا ذهبًا ولا فضة، ومنع من بيع الخمر في بلاده.
قلت: قد لبس خلعة الخليفة وهي من حرير وطوق ذهب، فلعله أراد أنه لا بد من لبس ذلك.
قال: وكان كثير الصيام، وله أوراد في الليل والنهار، كثير اللعب بالكرة، فكتب إليه بعض الصالحين ينكر عليه، ويقول: تتعب الخيل في غير فائدة، فكتب إليه بخطه: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت، فتكون الخيل قد أدمنت على سرعة الانعطاف بالكر والفر. وأهديت له عمامة مذهبة من مصر، فوهبها لشيخ الصوفية ابن حمويه، فبعث بها إلى العجم، فأبيعت بألف دينار.
قال: وكان عارفًا بمذهب أبي حنيفة، وليس عنده تعصب، والمذاهب عنده سواء.
قال: وكان يلعب يومًا في ديوان دمشق، وجاءه رجل فطلبه إلى الشرع، فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدين الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك لا تنزعج، واسلك معه ما تسلك مع آحاد الناس. فلما حضر سوى بينه وبين خصمه وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حق، وكان يدعي ملكًا في يد نور الدين، فقال نور الدين: هل ثبت له حق؟ قالوا: لا. قال: فاشهدوا أني قد وهبت له الملك، وإنما حضرت معه لئلا يقال عني أني دعيت إلى مجلس الشرع فأبيت.
قال: ودخل يومًا فرأى مالًا كثيرًا، فقالوا: بعث بهذا القاضي كمال الدين من قابض الأوقاف. فقال: ردوه، وقولوا له: أنا رقبتي رقيقة، لا أقدر على حمله غدًا، وأنت رقبتك غليظة تقدر على حمله. ولما قدم أمراؤه دمشق