وكان الذي جرأه على ذلك طبيبه بختيشوع، وقال له: والله ما أجسر على معالجتك، وما آمن على نفسي، فأذن له المنصور، وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ، حتى تمعط شعره، ثم إنه نصل من علته، ثم سعى موسى ولد عيسى بن موسى في أن يطيع أبوه المنصور، خوفاً عليه منه وعلى نفسه، ودبر حيلة أوحاها إلى المنصور، فقال: مر بخنقي قدام أبي إن لم يخلع نفسه، قال: فبعث المنصور، من فعل به ذلك، فصاح أبوه وأذعن بخلع نفسه، وقال: هذه يدي بالبيعة للمهدي، وأشهدك أن نسواني طوالق، وعبيدي أحرار، وما أملك في سبيل الله.
وقيل: إن المنصور لما أراد البيعة للمهدي بالعهد، تكلم الجند في ذلك فكان عيسى إذا ركب يسمعونه ما يكره، فشكاهم إلى المنصور، فلم يمنع في الباطن، ومنع في الظاهر، فأسرفوا، حتى خلع الرجل نفسه.
وقيل: إن خالد بن برمك مضى إليه في ثلاثين نفساً برسالة المنصور، فامتنع، فجاء خالد وقال: قد خلع نفسه، واستشهد أولئك الثلاثين، فشهدوا عليه.
وقيل: بل بذل له المنصور على خلع نفسه خمس مائة ألف دينار حتى فعل.
وفيها استعمل المنصور محمد ابن السفاح على البصرة، فاستعفى منها، فأعفاه، وانصرف إلى بغداد فمات بها.
سنة ثمان وأربعين ومائة.
فيها توفي جعفر بن محمد الصادق، وسليمان الأعمش، وشبل بن عباد مقرئ مكة، وزكريا بن أبي زائدة في قول، وعمرو بن الحارث الفقيه بمصر، وعبد الله بن يزيد بن هرمز، وعبد الجليل بن حميد اليحصبي، وعمار بن سعد المصري، والعوام بن حوشب، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، ومحمد بن عجلان المديني الفقيه، ومحمد بن الوليد الزبيدي الفقيه، ونعيم بن حكيم المدائني، وأبو زرعة يحيى السيباني.