للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأورد بعد ذلك حديثًا أَو روايةً عنه بسنده، وتكلم على الأحاديث وخَرَّجها، كما أورد بعض الكتب والأجزاء التي سمعها منه.

ثانيًا: بيئة الذهبي ونشأته:

قامت دولةُ المماليكِ البَحْريةِ على أنقاضِ الدَّولةِ الأيوبية بمصرَ والشامَ وتمكَّن المماليكُ أن يكوِّنوا دولةً قويةً كان لها الأثر المحمود في إيقافِ التقدم المغولي وتَصْفية الإمارات الصَّليبية في بلادِ الشام (١).

وكانت دمشقُ في نهاية القرن السابع الهجري ومطلع القرن الثامن قد أصبحت مركزًا كبيرًا من مراكز الحياة الفِكرية، فيها من المدارس العامرة ودُور الحديث والقُرآن العددُ الكثير، عَمِلَ على تَعْميرها حكامُها وبعضُ المياسِير من أهلِها لاسيما منذ عهد نور الدين بن زنكي (٢). وكانت العنايةُ بالدراسات الدِّينية، من تَفْسيرٍ وحديث وفقه وعقائد، هي السِّمةُ البارزةُ لهذا العصرِ، ولم يَعُد هناك اهتمامٌ بدراسة العُلوم الصِّرفة التي كانت قد أصبحت من "الصنائع المُظلمة" (٣) و"الهذيان" (٤). ثم لاحظنا تباينًا شديدًا في قيمةِ الإنتاج الفكري لهذه المدة وأصالته، فوجدنا الكثيرَ من المؤلَّفات الهزيلةِ التي لم تكن غير تَكرارٍ لما هو موجود في بطون الكُتب السابقة، ووجدنا القليلَ من المؤلفات التي امتازت بالأصالة والإبداع والمناهج العلمية المتميزة. وقد زاد من صعوبة الإبداع أن الواحدَ من العُلماء كان يجد أمامَهُ تُراثًا ضَخْمًا في الموضوع الذي يَرُوم التأليفَ فيه، وهو في وَضعه هذا يختلفُ عن المؤلِّفين الأوَّلين الذين لم يُجابهوا مثل هذا التُّراث.

وشَهِدت دمشقُ في هذا العصر نِزاعًا مذهبيًا وعقائديًا حادًا، كان الحُكّامُ المماليكُ يتدخلونَ فيه في كثيرٍ من الأحيان، فيناصرون فئةً على أُخرى (٥).


(١) راجع عن عصر المماليك: الدكتور علي إبراهيم حسن: دراسات في تاريخ المماليك البحرية، ط ٢ (القاهرة ١٩٤٨)، والدكتور سعيد عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام، وغيرهما. والكتاب الأخير أحسن ما كتب في الموضوع.
(٢) يتضح ذلك من العدد الذي ذكره النعيمي في كتابه "تنبيه الدارس".
(٣) الذهبي: تاريخ الإسلام، الورقة ٢٦٣ (أيا صوفيا ٣٠٠٨).
(٤) الذهبي: معجم الشيوخ، م ٢، ورقة ٤.
(٥) ابن كثير: البداية، ج ١٤ ص ٢٨، ٣٨، ٤٩، وابن حجر: الدرر، ج ١ ص ٦١ وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>