للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عُنُوا عنايةً كبيرة بنشر مذهب الإمام الشافعي، فأسسوا المدارسَ الخاصة به وأوقفوا عليها الوُقوفَ (١). وعُنوا في الوقت نفسه بنشر عَقيدة الأشعري واعتبروها السُّنَّة التي يجب اتِّباعُها (٢)، لذلك أصبحت للأشاعرة صَوْلةٌ وقوة عظيمة في مصر والشام. وقد أَثَّرَ ذلك على المذاهب الأخرى فأصابها الوَهنُ والضَّعف عدا الحنابلة الذين ظلوا على جانب كبير منَ القوة، وكانت لهم في دمشق مجموعة من دور الحديث والمَدَارس (٣) وكان النزاعُ العقائديُّ بين الحنابلة والأشاعرة مُضطَرمًا، زاده اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة العقائد والتمسك بآثار السلف واعتماد الأشاعرة على الاستدلال العقلي والبرهان المنطقي في دراستها (٤). وبقدر ما وَلَّدَ هذا التعصبُ من تَمَزقٍ في المجتمع فإنه وَلَّدَ في الوقت نفسِهِ نشاطًا علميًّا واضحًا في هذا المضمار تمثَّلَ في الكتُب الكثيرةِ التي وُضِعت فيه. كما ظهر تحيزٌ واضح في كثيرٍ من كتابات العصر.

وكان الجهلُ والاعتقادُ بالخُرافات والمُغَيَّبات منتشرًا بين العوام في المجتمع الدِّمشقي. وكان التصوف منتشرًا في أرجاء البلاد انتشارًا واسعًا وظهر بينهم كثيرٌ من المشعوذين الذين أَثَّروِا على العوام أيّما تأثير، بل عَمِلَ الحُكَّام المماليك على الاهتمام بهم، وكان لهم اعتقاد فيهم، فكانَ للملكِ الظاهر بيبرس البندقداري "ت ٦٧٦ هـ" شيخٌ اسمه الخَضِر بن أبي بكر بن موسى العَدَوي، كان "صاحبَ حالٍ ونَفْس مؤثرةٍ وهِمّةٍ إبليسية وحالٍ كاهني"، وكان الظاهر يُعظمه ويزوره أكثر من مرة في الأسبوع ويُطلعه على أسرارِه ويستصحبه في أسفارِه لاعتقاده التام به (٥). وانتشرَ تقديسُ الأشياخ والاعتقاد فيهم، وطلَب النُّذور عند قُبورهم، بل كانوا يسجدون لبعضِ تلك القُبور ويطلبون المغفرةَ من أَصحابها (٦).


(١) انظر التفاصيل في كتابنا: المنذري وكتابه التكملة، ص ٣٨ فما بعد.
(٢) وكان صلاح الدين أشعريًا متعصبًا كما هو معروف من سيرته.
(٣) انظر النعيمي: تنبيه الدارس ج ٢ ص ٢٩ - ١٢٦.
(٤) أبو زهرة: ابن تيمية، ص ٢٥.
(٥) الذهبي: تاريخ الإسلام، الورقة ٣٦ (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٦) المصدر نفسه، الورقة ٧٥ (أيا صوفيا ٣٠٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>