وقد روى أبو داود الطيالسي، عن سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.
والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم. فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز، أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر - رضي الله عنه - بل وقبلها - انتشر الإسلام في الأقاليم. فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين فمن بعدهم.
وكان في هذا القرب أبو قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الشاعر. وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر. وكان يحض الأوس على الإسلام. وكان قبل الهجرة يتأله ويدعي الحنيفية، ويحض قريشا على الإسلام، فقال قصيدته المشهورة التي أولها:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن مغلغلة عني لؤي بن غالب أقيموا لنا دينا حنيفا، فأنتمو لنا قادة، قد يقتدى بالذوائب روى الواقدي عن رجاله قالوا: خرج ابن الأسلت إلى الشام، فتعرض آل جفنة فوصلوه. وسأل الرهبان فدعوه إلى دينهم فلم يرده. فقال له راهب: أنت تريد دين الحنيفية، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنه قدم مكة معتمرا، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقص عليه أمره. فكان أبو قيس بعد يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ وقد أسلمت الخزرج والأوس، إلا ما كان من أوس الله فإنها وقفت مع ابن الأسلت؛ وكان فارسها وخطيبها، وشهد يوم بعاث، فقيل له: يا أبا قيس، هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: رجل قد بعث بالحق. ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه شرائع الإسلام، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، أنظر في أمري. وكاد أن يسلم. فلقيه عبد الله بن أبي، فأخبره