الثالث: أن لا يغتم ولا يهتم إلا لدينه أو طلب إصلاح دينه.
وسمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول لما قتل يحيى ابن الذهلي: منع الناس من حضور مجالس الحديث، أشار بهذا على أحمد بن عبد الله الخجستاني بشرويه، والعباسان، فلم يجسر أحد أن يحمل محبرةً، إلى أن ورد السري بن خزيمة الأبيوردي، فقام أبو عثمان الحيري الزاهد، وجمع المحدثين في مسجده، وأمرهم أن يعلقوا المحابر في أصابعهم، وعلق هو محبرةً بيده، وهو يتقدمهم إلى أن جاء إلى خان محمش، فأخرج السري، وأجلس المستملي بين يديه، فحزرنا في مجلسه زيادة على ألف محبرة، فلما فرغ قاموا فقبلوا رأس أبي عثمان رحمه الله، ونثر الناس عليهم الدراهم والسكر، وذلك في سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين.
قلت: ذكر الحاكم ترجمته في كراسين ونصف، فأتى بأشياء نفيسة من كلامه في اليقين والتوكل والرضا.
قال الحاكم: سمعت أبي يقول: لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني حيكان، يعني يحيى ابن الذهلي، أخذ في الظلم والحيف، فأمر بحربةٍ، فركزت على رأس المربعة، وجمع أعيان التجار وحلف: إن لم تصبوا الدراهم حتى تغيب رأس الحربة، فقد أحللتم دماءكم، فكانوا يقتسمون الدراهم فيما بينهم، فخص تاجر بثلاثين ألف درهم، ولم يكن يقدر على ثلاثة آلاف درهم، فحملها إلى أبي عثمان، وقال: أيها الشيخ، قد حلف هذا كما علمت، ووالله لا أهتدي إلا إلى هذه.
فقال له الشيخ: تأذن أن أفعل فيها ما ينفعك؟ قال: نعم، ففرقها أبو عثمان، وقال للرجل: امكث عندي، فما زال أبو عثمان يتردد بين السكة والمسجد ليلةً حتى أصبح وأذن، ثم قال للفرغاني خادمه: اذهب إلى السوق، فانظر ماذا تسمع؟ فذهب ثم رجع فقال: لم أر شيئًا، قال: اذهب مرةً أخرى. قال: وأبو عثمان يقول في مناجاته: وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين.
قال: فأتى الفرغاني وهو يقول: وكفى الله المؤمنين القتال، شق بطن أحمد بن عبد الله، فأخذ أبو عثمان في الإقامة.