صهاريجهم وتقوّوا، فرحل عنهم أبو يعقوب بعد أن هادن الأدفنش سبع سنين، وأقام بإشبيلية سنتين ونصف، ورجع إلى مراكش في آخر سنة تسع وستّين وقد ملك الجزيرة بأسرها.
وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السوس لتسكين خلاف وقع بين القبائل فسكّنهم.
وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتى أتى مدينة قفصة. وقد قام بها ابن الرّند، وتلقّب بالناصر لدين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فحاصره وأسره، وصالح ملك صقَلية وهادنه على أن يحمل إليه كل سنة مالًا، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النظير، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفرَس، فكلّلوا به المصحف، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضي الله عنه، من خزائن بني أميّة، يحمله الموحّدون بين أيديهم أنّى توجّهوا على ناقة عليها من الحليّ والديباج ما يعدل أموالًا طائلة. وتحته وِطاء من الديباج الأخضر، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهّبان لطيفان. وخلف الناقة بغلٌ مُحَلّى عليه مصحف آخر. قيل: إنّه بخط ابن تومَرت. هذا كلّه بين يدي أمير المؤمنين.
قال: وبلغني من سخاء أبي يعقوب أنّه أعطى هلال بن محمد بن سعد المذكور أبوه في يوم اثني عشر ألف دينار وقرّبه، وبالغ في رفع منزلته.
وقال الحافظ أبو بكر ابن الجدّ: كنّا عند أمير المؤمنين أبي يعقوب، فسألَنا عن سحر النبي صلّى الله عليه وسلّم كم بقي مسحوراً؟ فبقي كل إنسان منّا يتزمزم، فقال: بقي به شهرًا كاملًا. صحَّ ذلك، وكان أمير المؤمنين إمامًا يتكلّم في مذاهب الفقهاء فيقول: قول فلانٍ صواب، ودليله من الكتاب والسنة كذا وكذا، فنتابعه على ذلك.
قال عبد الواحد: ولمّا تجهّز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الموحّدين ليدرسوها، ثم كان يملي بنفسه عليهم، فكان كلّ كبير من الموحّدين يجيء بلوح ويكتب.