للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الرغم من أن كثيرًا من المؤرخين قد عُنوا بذكر مواليد المترجَمين لكن أحدًا منهم لم يفكر أن يذكر ذلك بصورة منفردة. وإذا استثنينا كتاب "تاريخ موالد العلماء ووفياتهم" لابن زَبْر الرَّبَعِي الدمشقي المتوفى سنة ٣٧٩ هـ الذي ذكر فيه مواليدَ بعض الرواة بصورة غير منتظمة ومرتبكة (١)، فإنَّ الذهبيَّ يُعَدُّ أولَ مَنْ نظم المواليد في كل سنة على حدة، فوصل بفَنِّ التراجمِ إلى المستوى الراقي الذي لم يصل إليه أحد من قبل.

سادسًا: أسلوب العرض الأدبي:

قد عرفنا من سيرة الذهبي ومكانته العلمية أنه قد حصل طرفًا صالحًا من العربية في نَحْوِهَا وصَرْفها وآدابها، كما أنه عُني عنايةً كبيرة في مطلع حياته بالقراءات التي تقومُ في أساسها على عِلْمٍ تام بالعربية، وقد تعاطى الشعرَ فنظمه وأورد منٍ شعرِ غيرِه جملةً كبيرة في كتابه "تاريخ الإسلامِ"، ولذلك أصبحت لغته قوية جدًّا يصعبُ أنْ نجدَ في كتابه لحنًا أو غلطًا لغويًا أو استعمالًا عاميًا، فإذا كان النادر من ذلك فإنه من سهو القلم والذهول.

وقد نجد في بعض كتاباته ما يغلط فيه الخواص، وليس ذاك بشيء" فأهلُ العربية مستطيعون دائمًا إيجادَ أوهامٍ حتى لخواص العلماء (٢). فمن ذلك مثلًا قوله "توفي في ثالث عشرين صفر"، أو "مولده في خامس عشرين محرم" ونحوهما هكذا بإثبات النون. وهذا لم يرض به بعضُ أهلِ العربية ومنهم أستاذنا الدكتور مصطفى جواد يرحمه الله، حيت ارتأى أنْ تُحذفَ النونُ، وقد غيرها في جميع كتبه التي نشرها فصارت عندئذ "ثالث عشري" و"خامس عشري" ونحو ذلك (٣)، مع أننا نجد هذا الاستعمالَ في كتابات كَثْرةٍ من


(١) نسختي المصورة عن نسخة دار التحف البريطانية الفريدة وهي في ٨٢ ورقة ومن ضمنها بعض الذيول الأخرى. وقد نشره الدكتور عبد الله بن أحمد بن سليمان الحمد بالرياض في مجلدين سنة ١٤١٠ هـ.
(٢) انظر كتاب أبي القاسم الحريري: درة الغواص في أوهام الخواص.
(٣) انظر مثلًا تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني ص ٧٥ - ٧٧، والذهبي: المختصر المحتاج إليه، ج ٢ ص ٢٥٢، ٢٩٢، ٣٠٢، وابن الساعي: الجامع المختصر ج ٩ ص ١، ٤٦، ١١٨، ١٤٣، ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>