الحمد لله الباقي بعد فناء خلقه، الكافي من توكل عليه، القيّوم الذي ملكوت كلّ شيء بيديه، حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله؛ أرسله رحمة للعالمين، وخاتما للنّبيّين، وحرزا للأميّين، وإماما للمتّقين بأوضح دليل، وأفصح تنزيل، وأفسح سبيل، وأفسر تبيان، وأبهر برهان. اللهمّ آته الوسيلة، وابعثه مقاما محمودا، يغبطه به الأوّلون والآخرون، وصلّ عليه وعلى آله الطّيبين، وصحابته المجاهدين، وأزواجه أمّهات المؤمنين.
أما بعد: فهذا كتاب نافع إن شاء الله - ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع - جمعته وتعبت عليه، واستخرجته من عدّة تصانيف. يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا؛ من وفيات الكبار من الخلفاء، والقرّاء والزّهاد والفقهاء، والمحدّثين والعلماء، والسّلاطين والوزراء، والنّحاة والشّعراء. ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم، بأخصر عبارة وألخص لفظ. وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة، والعجائب المسطورة، من غير تطويل ولا إكثار ولا استيعاب. ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم، وأترك المجهولين ومن يشبههم. وأشير إلى الوقائع الكبار، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة بل أكثر، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّدا.
وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرة، ومادّته من: