قال: ثم لم أزل أختلف إلى هزارسف، يعني بليدتها، فتحضر فأعيد مسألتها، وهي تتكلم بلغة أهل خوارزم، فلا تزيد من الحديث، ولا تنقص منه. فعرضت كلامها كله على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه، فقال: أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت، فلا أرى من يدفعه. وأجريت ذكرها لأبي العباس أحمد بن محمد بن طلحة بن طاهر والي خوارزم في سنة سبع وستين، فقال: هذا غير كائن. قلت: فالأمر سهل، والمسافة قريبة. تأمر بها، فتحمل إليك، وتمتحنها بنفسك. فأمرني، فكتبت عنه إلى العامل، فأشخصها على رفق. فأخبرني أبو العباس أحمد أنه وكل أمه دون الناس بمراعاتها، وسألها أن تستقصي عليها، وتتفقدها في ساعات الغفلات. وأنها بقيت عند أمه نحواً من شهرين، في بيت لا تخرج منه، فلم يروها تأكل ولا تشرب. وكثر من ذلك تعجبه، وقال: لا ينكر لله قدرة. وبرها وصرفها، فلم يأت عليها إلا القليل حتى ماتت، رحمها الله.
قلت: حدثني غير واحد أثق به، أن امرأة كانت بالأندلس مثل هذه كانت في حدود السبع مائة، بقيت نحواً من عشرين سنة لا تأكل شيئاً، وأمرها مشهور.
وذكر علاء الدين الكندي في تذكرته عن الفاروثي مثل ذلك، عن رجل كان بالعراق بعد الست مائة.
٣٣٥ - عيسى بن محمد. ويقال عيسى بن موسى، الأمير أبو موسى النوشري.
من كبار القواد المشهورين ولي إمرة دمشق للمنتصر بالله ابن المتوكل سنة سبع وأربعين، وولي إمرة أصبهان، وولي شرطة بغداد، وانتدب لقتال أمير أصبهان أبي ليلى، وغيره. فظهرت شهامته وشجاعته.
وولي إمرة مصر للمكتفي بالله بعد التسعين ومائتين، عند زوال الدولة الطولونية، وطال عمره، وعظمت حرمته.