للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أستاذًا أعرف منّي أو في الفضل مثلي فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه، إلاّ أن تسافر إلى الحافظ ابن عساكر؛ فإنّه حافظ كما يجب. فقلت: من هذا؟ فقال: حافظ الشام أبو القاسم يسكن دمشق. وأثنى عليه.

وكان يجري ذكره عند خطيب الموصل أبي الفضل، فيقول: ما نعلم من يستحقّ هذا اللقب اليوم، أعني الحافظ، ويكون به حقيقًا سواه. كذا حدّثني أبو المواهب بن صصرى، وقال: لمّا دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنّه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع إذًا لاجتمع عليه الموافق والمخالف.

وقال لي يوماً: أيّ شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلاّ بالجمع والتصنيف والتّسميع حتى في نزهه وخلواته. فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، ألا إنّا قد حصل لنا هذا المسجد والدار والكتب، هذا يدلّ على قلّة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمّى أبو القاسم ببغداد إلاّ شعلة نار من توقّده وذكائه وحسن إدراكه.

وقال أبو المواهب: أمّا أنا فكنت أذاكره في خلواته عن الحفّاظ الذين لقيهم، فقال: أمّا ببغداد فأبو عامر العبدريّ، وأمّا بأصبهان فأبو نصر اليونارتيّ، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه. فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيّدنا مثله؟ فقال: لا تقل هذا، قال الله تعالى: فلا تزكّوا أنفسكم. قلت: وقد قال تعالى: وأمّا بنعمة ربّك فحدّث. فقال: نعم، لو قال قائل: إنّ عيني لم تر مثلي - لصدق.

قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله، ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدّة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأوّل إلاّ من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجّة، وعدم التطلّع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدّور.

وقد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه. وقلّة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.

قال لي: لمّا عزمت على التّحديث، والله المطّلع أنّه ما حملني على ذلك حبّ الرياسة والتقدّم، بل قلت: متى أروي كلّ ما سمعت؟ وأيّ فائدة

<<  <  ج: ص:  >  >>