له بأربع مائة دينار، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعدها أحدا.
وروى نحوا من هذه الواقعة أحمد بن السندي الحداد، عن أحمد بن الممتنع، عن صالح بن علي الهاشمي المنصوري، عن المهتدي بالله، قال صالح: حضرته وقد جلس للمتظلمين، فنظرت إلى القصص تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع عليها، ويختمها، فيسرني ذلك. وجعلت أنظر إليه، ففطن، ونظر إلي، فغضضت عنه، حتى كان ذلك منه ومني مرارا. فقال لي: يا صالح في نفسك شيء تحب أن تقوله؟ قلت: نعم. فلما انقضى المجلس أدخلت مجلسه فقال: تقول ما دار في نفسك أو أقوله؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما ترى. قال: أقول: إنه قد استحسنت ما رأيت منا فقلت: أي خليفة خليفتنا، إن لم يكن يقول القرآن مخلوق. فورد على قلبي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفس هل تموتين قبل أجلك؟ فقلت: نعم. فأطرق ثم قال: اسمع مني، فوالله لتسمعن الحق. فسري عني وقلت: ومن أولى بالحق منك وأنت خليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين؟ قال: ما زلت أقول القرآن مخلوق صدرا من خلافة الواثق، حتى أقدم شيخا من أذنة مقيدا، وهو جميل حسن الشيبة. فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق له. فما زال يدنيه حتى قرب منه وجلس، فقال: ناظر ابن أبي دؤاد. فقال: يا أمير المؤمنين إنه يضعف عن المناظرة. فغضب وقال: أبو عبد الله يضعف عن مناظرتك أنت؟ قال: هون عليك، وائذن لي في مناظرته. فقال: ما دعوناك إلا لهذا. فقال: احفظ علي وعليه، ثم قال: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بما قلت؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله، هل ستر شيئا مما أمر به؟ قال: لا. قال: فدعا إلى مقالتك هذه؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال: أخبرني عن الله تعالى حين قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أكان الله هو الصادق في إكمال الدين، أو أنت الصادق في نقصانه، حتى يقال بمقالتك هذه؟ فسكت. فقال الشيخ: اثنتان. قال الواثق: نعم. فقال: أخبرني عن مقالتك هذه، أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها؟ قال: علمها. قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاثة. قال: نعم. قال: فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن علمها أن يمسك عنها، ولم يطالب بها