أمته؟ قال: نعم. قال: واتسع لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ذلك؟ قال: نعم. فأعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين قد قدمت القول أن أحمد يصبو ويضعف عن المناظرة. يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فلا وسع الله عليك. قال الواثق: نعم كذا هو. اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطعوه ضرب الشيخ بيده في القيد فأخذه، فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي له، إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة وأقول: يا رب لم قيدني وروع أهلي؟ ثم بكى فبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حل، وأمر له بصلة فقال: لا حاجة لي بها.
قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رجع عنها من يومئذ.
وقال إبراهيم نفطويه: حدثني حامد بن العباس، عن رجل عن المهتدي بالله، أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن.
وكان الواثق وافر الأدب. بلغنا أن جارية غنته بشعر العرجي:
أظلوم إن مصابكم رجلا رد السلام تحية ظلم فمن الحاضرين من صوب نصب رجلا، ومنهم من قال: صوابها: رجل. فقالت: هكذا لقنني المازني. فطلب المازني، فلما مثل بين يدي الواثق، قال: ممن الرجل؟ قال: من بني مازن. قال: أي الموازن، أمازن تميم، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة؟ قلت: مازن ربيعة. فكلمني حينئذ بلغة قومي، فقال: با اسمك. لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت أن أواجهه بمكر، فقلت: بكر يا أمير المؤمنين. ففطن لها وأعجبته. فقال: ما تقول في هذا البيت. قلت: الوجه النصب. لأن مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم. فأخذ اليزيدي يعارضني، قلت: هو بمنزلة إن ضربكم رجلا ظلم. فالرجل مفعول مصابكم، والدليل عليه أن الكلام معلق، إلى أن تقول ظلم فيتم. فأعجب الواثق، وأمر لي بألف دينار.
قال ابن أبي الدنيا: كان الواثق أبيض، تعلوه صفرة، حسن اللحية، في عينيه نكتة.