وبوفاة نور الدّين محمد صاحب حصن كيفا وآمِد، فتقسّم فِكْرُه، واختلفت آراء أمرائه، فلم يلبث أن جاءته رُسُل أمراء خِلاط بتعجيل المسير إليهم، فأسرع إليهم، وجعل على مقدِّمته ابنَ عمّه ناصر الدّين محمد بن شِيرَكُوه ومظفَّر الدّين كوكبري ابن صاحب إربل إلى خِلاط، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قد تملَّك، فنزلا بقربها، ووصل الملك شمس الدّين البهلوان محمد بن إلْدِكِز بجيش أذرْبَيْجان ليأخذ خِلاط فنزل أيضًا بقربها. وكان الوزير بها مجد الدّين عبد اللَّه بن الموفَّق بن رشيق، فكاتب البهلوان مرة وصلاح الدّين أخرى.
ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم بالعَود إليه فعادوا، وتسلّمها بالأمان، وسلّمها إلى مملوكه سُنْقُر في جُمادى الأولى. ورحل فأتته رُسُلُ البهلوان بما فيه المصلحة وأن يرجع عن خلاط، فأجاب: على أن ترحل أنت صلاح الدين أيضًا إلى بلادك.
ثم عاد صلاح الدّين فنازل الموصل وضايقها، فخرج إليه جماعة من النّساء الأتابكيّات فخضعْن له، فأكرمهن وقبِلَ شفاعتهنّ. واستقرّ الأمر على أن يكون عماد الدّين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنْجار هو المتكلّم، فتوسّط بأن تكون بلاد شهرزُور وحصونها للسّلطان، وتُضْرب السّكّة باسمه والخطْبة له بالموصل، وأن تكون الموصل لصاحبها، وأن يكون طَوْعه.
ثم رجع السّلطان فتمرّض بحَرّان مُدَيْدَة، واستدام مرضه، وتناثر شَعْر رأسه ولحيته، وأرجفوا بموته، ثم عُوفي.
وتُوُفّي ناصر الدّين محمد ابن أسد الدّين صاحب حمص، فأنعم بها السّلطان على ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه بن محمد. وسِنُّه يومئذٍ ثلاث عشرة سنة، وامتدَّت أيّامه.
وأمّا أهل خِلاط فإنّهم اصطلحوا مع البهلوان محمد، وصاروا من حزبه وخطبوا له.
قال ابن الأثير: وفيها ابتداء الفتنة بين التُّرْكمان والأكراد بالموصل، والجزيرة، وشهرزور، وأَذَرْبَيْجان، والشّام. وقُتِلَ فيها من الخلْق ما لا يُحصى،